قلق في الشارع العراقي إزاء تكرار مسلسل "هروب السجناء"
٣١ يوليو ٢٠١٣يبدو أن أبطال الحلقة الجديدة من مسلسل "هروب السجناء" هم من قاده التنظيمات المسلحة، مما يعني أن السلطات العراقية لم تنته بعد من كتابة الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل حتى الآن، وهو ما يؤرق الشارع العراقي المثقل أصلا بالهاجس الأمني. "لا اعرف أي مستوى في العنف ينتظرنا بعد أن هرب اخطر قادة التنظيمات الإرهابية"، بهذه الكلمات وبلهجة ساخطة طغى عليها اليأس بدأ المواطن محمد الاسدي، حديثه مع DW عربية. ويقول الاسدي (22 عاماً)، طالب كلية الإعلام في بغداد، الذي بدا ساخطاً على عدم قدره الأجهزة الأمنية العراقية على فرض الأمن والاستقرار في بلاده "بسبب الخروق الكبيرة التي تشهدها السجون وهروب المجرمين منها بين فترة وأخرى".
ويضيف الاسدي بلهجة ساخطة: "حكومتنا تستهين بأرواح الأبرياء بسبب تكرار هذا السيناريو (هروب السجناء)، في ظل عدم محاسبة الذين يثبت تقصيرهم وتواطئهم الكبير من عملية الهروب".
وهرب المئات من نزلاء سجني التاجي وأبو غريب الواقعين شمالي وغربي العاصمة العراقية بغداد مساء الأحد ( 21 تموز/ يوليو)، بعدما نجح مسلحون في اقتحامهما في مواجهات مع قوات الأمن العراقية، التي استمرت لعدة ساعات.
واستخدم المسلحون قذائف هاون ثم فجروا سيارات مفخخة عند مداخل السجنين ونفذوا تفجيرات انتحارية في اقتحامهما، وقتل 20 من أفراد الأمن على الأقل في محاولة السيطرة على السجنين. وكان السجنان يؤويان عناصر من تنظيم القاعدة.
وشهد العراق العديد من عمليات هروب السجناء خلال الفترة الماضية في محافظة البصرة وتكريت ونينوى وبابل كان أغلبهم من تنظيمات مرتبطة القاعدة، وتنوعت عمليات هروبهم بين تواطؤ حراس السجون أو عمليات مدبرة عن طريق حفر الأنفاق إلى الخارج أو أنابيب التهوية والصرف الصحي.
التشكيك بقدرة الأجهزة الأمنية
ولم يذهب وسام الفراتي، بعيداً عما قاله الاسدي، حيث يرى أن "اقتحام السجون المحصنة وهروب من فيها خلق قناعة لدى عامة الناس في عدم قدرة الأجهزة الأمنية على حماية أنفسها أو التصدي للهجمات الشرسة التي تتبناها المجاميع المسلحة بين فترة وأخرى". وقال مفترضا " أنه من السهل التخطيط لمثل هذه العمليات، خصوصاً وأن هناك اتصال من داخل السجون ما بين السجناء وتنظيماتهم عن طريق أجهزة الموبايل أو الإنترنت فالسجون العراقية أصبحت عبارة عن فنادق 5 نجوم"، حسب تعبير الفراتي.
ويضيف الفراتي (40 عاماً) أن الشارع العراقي قلق جداً من عملية هروب السجناء، "كون أغلبيتهم يعتبرون من أخطر قادة التنظيم الذين تمكنت القوات الأمريكية من اعتقالهم. نتخوف من أن تترجم عملية الهروب بعمليات انتقامية ضدنا".
وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" أحد فروع تنظيم القاعدة تبنيه الهجوم على سجني التاجي وأبو غريب عقب تنفيذها. وقال التنظيم إنهم نجحوا في "تحرير 500 من السجناء".
"الهاربون قنابل موقوتة"
أما شهد ضياء الدين مهدي، فتصف عملية هروب السجناء المتكررة بـ"الكارثة التي يجب محاسبة المتواطئين فيها بالخيانة الكبرى...لاستخفافهم بالدم العراقي وحرمته". وتتساءل مهدي (23 عاماً)، بلهجة استغراب أثناء حديثها مع DW عربية: "كيف يمكن للأجهزة الأمنية المجهزة بمعدات حديثه والمتدربة بمستوى عال أن تقهر أمام عدد محدود من المسلحين؟". وتعتبر أن "الهاربين هم قنابل موقوتة".
ونفت السلطات العراقية في وقت سابق هروب سجناء خلال الهجمات، لكنها "اعترفت" بعدها بهروب "بعض" السجناء. وقالت وزارة الداخلية العراقية إن المهاجمين الذين وصفتهم بأنهم "إرهابيون" تلقوا مساعدة من حراس السجن.
سبب تكرار الخروقات الأمنية؟
من جهته يعزو حسن الشمري، الخبير بالشؤون الأمنية، سبب تكرار الخروقات الأمنية في السجون العراقية إلى جملة أسباب أبرزها: "غياب الجهد ألاستخباراتي، بالإضافة إلى اعتماد قيادة غير مهنية في إدارة الملف الأمني في البلاد".
ويضيف الشمري في حديث مع DW عربية: أن "غياب عنصر العقيدة والروح القتالية لدى منتسبي الأجهزة الأمنية في مواجهة الإرهاب ساهم في زيادة توسع رقعه العمليات الإرهابية"، داعياً إلى تفعيل دور جهازي الأمن العام والمخابرات السرية "للحد من تكرار هذه الحالات" في إشارة إلى هروب السجناء.
وعلى خلفية الهجوم الأخير على السجنين، أمر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، (السبت 27 تموز/يوليو) بطرد مدير عام دائرة السجون في البلاد وإحالته إلى القضاء واحتجاز عدد من الضباط بعدما أثبت التحقيق الأولي تقصيرهم في أداء واجبهم، حسب التصريحات الرسمية.
"سابقة خطرة ينفرد بها الملف الأمني في العراق"
من جانبه يرى الصحفي والمحلل السياسي هادي جلو مرعي: "بأن ظاهرة اقتحام السجون وهروب نزلائها، تشكل سابقة خطيرة ينفرد بها الملف الأمني في العراق عن باقي دول العالم". ويقول مرعي في حوار مع DW عربية: "من المرجح أن الساحة العراقية سوف تشهد عمليات انتقامية وثار سوف ينفذها هؤلاء الفارين ضد القوات الأمنية وعناصر الصحوة والقضاة ووجهاء العشائر الذين وقفوا ضدهم".
ويطالب مرعي بضرورة ترك الخلافات السياسية "المراهقة" واتخاذ إجراءات سريعة تتمثل في عدم زيادة القوات الأمنية وإنما عن طريق خلق توافقات إقليمية، فضلاً عن تفعيل قوات مكافحة الإرهاب التي "تعتمد على المعلومة والحس ألاستخباراتي في عملياتها".
وخلفت تداعيات هروب السجناء العديد من الردود الدولية والإقليمية، إذ حذرت الشرطة الدولية (الانتربول) في بيان لها من خطر هؤلاء الهاربين على الأمن الدولي على اعتبار أن اغلبهم من قاده تنظيم القاعدة.
ويبدو أن هروب السجناء سوف يضاعف من مسلسل التفجيرات وينعكس على الوضع الأمني الهش في العراق، فقد شهد البلاد الاثنين (29 يوليو/ تموز) مقتل نحو 40 شخصاً على الأقل وأصيب أكثر من 180 آخرين بجروح في سلسلة هجمات بسيارات مفخخة استهدفت معظمها أحياء شيعية في بغداد ومناطق أخرى من العراق، وهو ما قد يكون له علاقة بعملية هروب السجناء الأخيرة.