قرنان من لعبة سكات الألمانية
٢٥ أكتوبر ٢٠١٣بعد أن امتلئ المكان بالضجيج والضوضاء، عمّه الهدوء فجأة، فقد افتتح بيرند شيمساك مسابقة الليلة بشكل رسمي، وذلك في نادي "فاندسبيكه" لمحترفي سكات في هامبورغ الذي يشرف هو على إدارته.
سكات لعبة ورق. ونظرة خاطفة على وجوه اللاعبين تظهر مدى جدية اللعبة في عيون أصحابها الذين بدؤوا يرددون أرقام الورق في أصداء الغرفة بعيداً عما يحيط بهم. لعبة سكات بحاجة إلى تركيز تام، فهي لا تعتمد على الحظ فحسب، وإنما تتطلب التكتيك والمناورة.
لغة فريدة للاعبيها
" لا يمكن للمرء تعلم سكات، فهي موهبة"، يقول أحد اللاعبين. وكباقي الألعاب، لسكات لغة ومصطلحات خاصة يمكن للجميع تعلمها، فكلمة "جدة" تعني ورقة شدة ممتازة، في الوقت الذي تشير "مزمار" إلى أربع ورقات من نفس اللون. إحدى هذه الأوراق الجيدة كانت من نصيب غودرون شوماخر، لكن الأمر "قد يتغير بسرعة، لأن كل لعبة تختلف عن الأخرى"، تقول السيدة التي عبّرت عن حبها الشديد لممارسة هذه الهواية. وتبلغ غودرون 83 عاما، وهي بذلك أكبر المشاركين سنا في مسابقة المساء، مع العلم أن زملائها أيضا في سن متقدمة.
عاشت غودرون في زمن كانت لعبة سكات تحظى بشعبية منقطعة النظير بين جميع الأعمار. "في بيتنا، كان أهلي يلعبون سكات"، في ما اكتفت هي بداية بالفرجة، قبل أن تخوص في عال سكات بشكل متزايد. ولأنها الآن لم تعد تجد من يشاطرها هوايتها، التحقت بنادي هامبورغ لمحترفي سكات قبل عشر سنوات.
النادي نفسه، يعاني من غياب تام لجيل الشباب، ولا يتوفر إلا على 26 عضوا جميعهم من كبار السن، حسب بيرند شيمساك، الذي أوضح "هذه أكبر مشاكلنا، فمن الناذر إيجاد لاعبين من الشباب أو من تلامذة المدارس". فولكر غراوباوم، أصغر المحترفين، ويبلغ 35 عاما. وقد عبّر عن إعجابه الشديد باللعبة، لأنها "تعتمد على ذكاء اللاعب، وهو ما يميزها عن باقي ألعاب الورق".
"لعبة ذكية"
رغم أن لا أحد يعلم التاريخ الدقيق لاختراع اللعبة، إلا أن العالم يحتفل هذا العام بعيد ميلادها المائتين. وهناك مؤشرات تدل على أن اللعبة طورت بين عامي 1810 و1817 في مدينة ألتنبورغ في ولاية تورينغن وسط ألمانيا. وما لا يمكن التشكيك فيه، أن لاعب الورق هانز كارل ليوبولد فون دير غابيلينتز استخدم مصطلح "سكات" في مسودته التي وثق فيها انتصاراته وهزائمه في الشدة. فطور الأخير وأصدقاؤه لعبة "سكات" اعتمادا على ألعاب ورق أكثر قدماً. ومنذ ذلك اليوم، التصقت اللعبة في أذهان الألمان وحياتهم. وانتشرت في أنحاء البلاد، وذلك بفضل الجنود المقاتلين في صف أو ضد نابليون بونابرت.
حب أزلي على وشك التقاعد
أحب الألمان لعبة سكات حباً جماً، أجبر الكاتب كورت توخولسكي في بدايات القرن العشرين على كتابة مقولته "عند انفراج أسارير مواطن ألماني من الفرح، لن يغني بل سيلعب سكات". وعلى الصعيد الفني، شملت أوبرا الملحن الألماني ريشارد شتراوس "إنتيرميزو" عام 1924 مشهداً للعبة سكات. حتى القيصر فيلهلم الثاني أمضى وقته في لعبها، تماماً كالجنود في الحرب العالمية الأولى في خنادقهم. وتوارثت الأجيال حب لعبة سكات، فالكاتب الألماني الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، غونتر غراس، والمستشار السابق غيرهارد شرودر يمارسانها بشغف.
ومازالت لعبة سكات منتشرة إلى اليوم، بين حوالي عشرين مليون نسمة. لكن نقابة لاعبي سكات وبلسان المتحدثة أوته مودروف، تشكو من انخفاض عدد أعضائها من 35 ألفا عام 1990 إلى 26 ألفا في العام الجاري، جلهم فوق الستين. والسبب يعود بالأساس إلى انتشار ألعاب الكمبيوتر والهواتف الذكية والكمبيوترات اللوحية بين الجيل الجديد، خاصة بين تلامذة المدارس.
بيد أوته مودروف تتطلع إلى المستقبل بأمل، قائلة:"هناك أندية يبلغ متوسط عمر أعضائها دون الخمسين". لكنها نادرة، ولذا تبدو اللعبة في طريقها إلى التقاعد بعد قرنين من الزمن.