1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

قانون التقاعد بين إنصاف العجزة وتبذير الأموال

باسم سيفي٣١ أكتوبر ٢٠١٣

يقترح د. باسم سيفي بعض المبادئ في مسألة التقاعد لتجنب التمادي في تبذير اموال الدولة وفي التوزيع الباطل وغير العقلاني مثل الرواتب التقاعدية الضخمة للنواب ومجلس الوزراء والرئاسة وان خدموا فترة قصيرة.

https://p.dw.com/p/1A9Rm
Iraqi women crowd the entrance to the Passport Authority in Baghdad, Iraq, Tuesday, Aug. 10, 2004. As Iraq works to take its first faltering steps towards democracy and transparency, its bureaucracy has become even more riddled with corruption, dishonesty and favoritism than its was under the previous regime. (AP Photo/Samir Mizban)
صورة من: AP

في أوائل أكتوبر 2013 تناولت الإنباء صدور مشروع قانون للتقاعد من قبل مجلس الوزراء لمناقشته ثم إقراره من قبل السلطة التشريعية ليكون قانونا ملزما على ضوئه تعطى حقوق المشمولين. وفي اواسط الشهر صرح البعض بأنه قرار من مجلس الوزراء يزيد الراتب التقاعدي للموظفين ذوي الدرجات الدنيا فهو أكثر عدلا ولا يحتاج الى تشريع قانون جديد من قبل مجلس النواب! وفي نهاية الشهر عرض القانون للقراءة الأولى في مجلس النواب! لست بصدد مناقشة هذا القانون/القرار فهو من جهة غير متوفر لدي بنصه الرسمي ولا اعرف مكان وجوده فهو يبدو أيضا سري مثل كثير من إخوانه من الإستراتيجيات والقوانين المقترحة، ومن جهة أخرى لست ضليعا بالموضوع ولا ارغب الدخول في تفاصيله المعقدة.

مناقشة بعض المظاهر التقاعدية السيئة وتحديد الأسباب الموجبة لإعانات التقاعد وقوانينه يمكن ان تساعدنا على وضع قانون متوازن وعادل ويشمل الجميع، وليس هوجاويا يبعثر أموال الشعب على من هم ليسوا بحاجة الى الإعانات التقاعدية لأنهم يملكون من الموارد ما يكفي أضعاف ما يحتاجونه فيما تبقى لهم من العمر، ويحرم شريحة واسعة من العمال والمزارعين والكسبة الذين مارسوا ويمارسون إعمال إنتاجية هي الأهم في المجتمع من أعمال الموظفين بشكل عام.

حقائق في ظل غياب جدية البحث عن حلول

1. قوانين التقاعد الحالية جائرة وغير منصفة ويتحكم فيها عند التطبيق كثير من النفوذ والمحسوبية مثل ما نراه في احتساب اعوام الفصل السياسي من الخدمة وفترات الهجرة والتهجير سنوات خدمة في حساب التعويض التقاعدي. فلو نظرنا الى التعويضات التقاعدية لحملة شهادات الدكتوراة ممن عاش في المهجر سنوات طويلة لوجدنا الشرائح التالية: شريحة تحصل على أكثر من مليوني دينار في الشهر وأخرى بين مليون ومليوني في الشهر وثالثة اقل من مليون وأكثر من نصف مليون ورابعة اقل من نصف مليون دينار في الشهر وخامسة صفر لأنها لم تعين في الدولة العراقية.

هذا ويقال بان هناك آلاف من سياسيي وخبراء ما بعد السقوط يحصلون او سيحصلون على رواتب (معونات) تقاعدية تزيد عن أربعة ملايين دينار في الشهر. بالإضافة إلى مهازل أخرى غير مقبولة مثل كثرة من قوانين تقاعد استثنائية لفئات معينة، نرى وكما ذكرنا حرمان معظم المواطنين من تعويضات التقاعد وحصول البعض على الملايين ومدى الحياة على خدمة قصيرة فوائد بعضها للشعب العراقي اقل بكثير من أضرارها.

2. ليس غريبا ولا جديدا ان نرى المتنفذين والمسؤولين يعلنون شيئا حقا عن إجراء او قانون ولكنه في الحقيقة وبالأخص في التنفيذ تظهر فيه أشياء باطلة. فمثلا الخبراء والمتنفذين مغرمين باعتماد آخر راتب كأساس لحساب التقاعد ويطرحونه على انه حق ومرتبط بجهد وتطور عمل الموظفين والعاملين ويتناسون بانه حاليا معظم، او حتى كل، ذوي الرواتب العالية انما أصبحت رواتبهم عالية مؤخرا وبالصدفة لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة والإنتاج بل بالمحسوبية واستغلال الفرص، فكم من مدير وخبير وأستاذ وعضو مجلس نواب أو محافظة لا يستحق منصبه، وراتبه قبل خمس سنوات او عشرة لم يكن ربع راتبه الحالي وان اختلفت طرق الحساب. لذا علينا ان نعي بان واضعي قوانين التقاعد ليسوا محايدين ويجب مناقشة مقترحاتهم.

3. تحويل نسبة من أموال التقاعد، وأتوقعها كبيرة، إلى الخارج كون المتقاعد يسكن خارج العراق تضر كثيرا باقتصاد العراق لأنها لا تساهم بالإنتاج المحلي. فالمبلغ الذي استلمه وأنا ساكن في العراق يصرف معظمه لشراء بضائع وخدمات مختلفة من مسكن ومواد غذائية ومواصلات وزيارات للمطاعم وأكثرها يصبح دخلا للآخرين الذين بدورهم ينفقون معظمها على شراء ما يحتاجونه من غذاء وبضائع وخدمات، أي فلوس النفط تساهم بزيادة الإنتاج الوطني الغير نفطي. أما أذا استلمتها وأنا اسكن خارج العراق واصرفها هناك فهذا يعني استخراج وبيع كمية من النفط وتسليمي مبلغ البيع بالدولارات لأصرفه في الخارج. هذا السخاء الشاذ يجب ان يناقش ويعالج من خلال ربط جزء من التعويضات التقاعدية بالسكن في العراق.

4. مثل القوانين والإستراتيجيات المهمة والضرورية في بناء العراق الانتاجي والمتحضر يجب مناقشة قانون التقاعد بشكل واسع وعلى كافة المستويات وعدم حصره بين الخبراء ومجلس الوزراء ومجلس النواب لان ذلك يثري النقاش ويحسن القانون ويجعله أكثر عدلا وأكثر تناغما مع مصالح شرائح الشعب المختلفة ويراعي أيضا الاقتصاد الوطني ومستقبله. مثل هذه المناقشات التي تنفتح على المواطن في مواقعه المختلفة وتشركه لإبداء رأيه ضرورية وفعالة في تقوية الهوية الوطنية والانتماء إلى الأمة العراقية بالإضافة إلى كونها ستبرز جوانب مهمة تصعب على السياسي والخبير تشخيصها. مناقشة القضايا المهمة في حياة الشعب على المستوى الوطني واستلام المعونات والحقوق على اساس المواطنة والدولة المركزية تضعف الجوانب السلبية للهويات والانتماءات المختلفة لدى المواطنين.

5. السبب الأساسي لتعويضات التقاعد هو ضمان حياة كريمة للمواطن عندما يصبح العمل صعبا عليه بسبب تقدم العمر او العجز عن العمل لاسباب مختلفة. هذا السبب معقول جدا وحق ومن الصعب المجادلة ضده ويعني، اذا كنا نؤمن فعلا بالمساوات بين الناس، تخصيص راتب او تعويض تقاعدي بشكل متساوي لكافة كبار السن والعاجزين عن العمل يعينهم على العيش بكرامة. وهنا اتجرأ واقدر هذا الراتب ب200 ألف دينار شهريا (حوالي ضعف حد الفقر) لكل مواطن عراقي يسكن العراق ومتقاعد عن العمل سواء كان موظفا في الدولة ام عاملا في القطاع الخاص ام لا يعمل لأسباب مختلفة، رجلا ام امرأة، طبيبا ام عامل نظافة، عضو مجلس نواب ام خادما في مسجد او كنيسة. هذا المقترح اقرب كثيرا الى الدستور وروحه عندما يقول بان النفط ملك لجميع العراقيين من التوزيع الظالم لاموال التقاعد حاليا.

6. السبب الثاني لتعويضات التقاعد هو نوع من التعويض عن نهاية الخدمة تمكن العامل والموظف والطبيب والسياسي والمزارع والجندي من تجميع ما يحتاجه من موارد للحفاظ على مستواه المعيشي بعد التقاعد عن العمل. هذا السبب وجيه ايضا ويمكن إضافته الى السبب السابق ولكن من الصعب ان نراه يشمل موظفي الدولة فقط وتتحمله الدولة لوحدها دون اعتبار لمسؤولية المواطن في ذلك وسنوات عمله ومجموع الرواتب التي استلمها والضرائب التي دفعها. هنا يصبح إعطاء تقاعد لموظفي الدولة بما يعادل 80 بالمائة من الراتب الاخير باطل في باطل خاصة وانهم لا يعملون وأصحاب الدرجات العليا منهم متمكنون ولديهم من الموارد ما يكفيهم للمحافظة على مستواهم المعيشي. الأفضل والاعدل هنا ان تكون مساهمة الدولة بقدر ما يدفعه الشخص لصندوق التقاعد حسب نظام ضريبي معقول ويتماشى مع ما موجود في البلدان المتقدمة المنتجة وليس بلدان المشايخ النفطية او جمهوريات الموز.

7. الخبراء والسياسيين والمتنفذين من أصحاب الدرجات العليا بإمكانهم ايجاد كثير من الأسباب الأخرى لتضخيم رواتبهم التقاعدية وكلها باطلة بدرجة او أخرى ويمكن ان تحل خارج نظام التقاعد لتجنب التعقيدات والثغرات التي ينفذ الفساد من خلالها واليكم بعضا منها. الخدمة الجهادية، وهي مضاعفة سنوات الخدمة لغرض التقاعد في الأعمال الخطرة مثل عضوية مجلس النواب وشغل مناصب في الدرجات الخاصة والعليا وقد تشمل الأعمال الأمنية، وحلها يفترض ان يكون بإعطاء مخصصات خطورة والتزام الدولة عند التعرض للحوادث وليس خربطة نظام التقاعد من اجل زيادة سنوات الخدمة لمن جاء بعد السقوط والاحتلال ولمن يريد العودة بأسرع وقت الى البلدان التي جاء منها، او أحسن منها. حجة إنصاف وتقدير العاملين في الدولة العراقية غير مقنعة في ظل البطالة المقنعة والتهافت على التعيين الحكومي، وكذلك حجة تشجيع الأكفاء للعمل في الدولة العراقية.

والعراق يتمتع بواردات نفطية عظيمة، من المناسب جدا ان يكون لديه قانون تقاعد موحد يضمن حياة كريمة لمواطنيه عند تقادم العمر. ولكن ذلك يجب ان لا يضر القطاعات الإنتاجية في الزراعة والصناعة والخدمات ويكرس الدولة الريعية واللعنة النفطية لان موارد النفط غير دائمة والعمل والإنتاج هو أساس الإنسان وتواصل المجتمعات. لضمان ذلك لابد من التوجه على جعل التقاعد في حدوده الدنيا لكي لا يرهق ميزانية الدولة ويعيق الاستثمار ويربك سوق العمل وبنفس الوقت لا يعفي المواطنين من مسؤليتهم عن مستقبلهم. من المعقول ان يشمل مثل هذا القانون العمال والفلاحين والكسبة في القطاع الخاص أيضا، وان يكون ذا جزأين احدهما مرتبط بالسكن داخل العراق ويمكن ان يكون بمثابة راتب عام والجزء الآخر مرتبط بإنتاجية المواطن في حياته ومساهماته في صندوق التقاعد على مدى سنين العمل وحسب معادلة مشجعة.