فنُ المخاطبة في ألمانيا: أنت أم أنتم، بين صرامة التقاليد ومرونة العصر
٣ يناير ٢٠١٣الاحترام وحسن السلوك له تاريخ ومكانة كبيرة في التعامل داخل المجتمع الألماني. ففي نهاية القرن 18 ألف أدولف كنيغه كتابا تحت عنوان "كيفية التعامل مع الناس." ولازال العديد من الناس يعتقدون أن هذا الكتاب هو عبارة عن دليل لتقديم النصائح حول التعامل بين الناس. وهذا سوء فهم كبير لأن كتاب كنيغه هو بالأحرى أطروحة سوسيولوجية. ويعتبر هذا الكتاب مرجعا أساسيا في ما يتعلق بحسن التعامل وكيفية المخاطبة.
هانز مايكل كلاين، رئيس جمعية كنيغه الألمانية يعطي حلقات دراسية في آداب المخاطبة والتعامل بين الناس وحسن السلوك. ويفرق الخبير اللغوي في ما يخص صيغة المخاطبة بين مجالين أساسيين هما الحياة الخاصة والمهنية حيث يقول: " هناك قواعد مختلفة تماما: ففي الحياة الخاصة، يقدم دائما الأكبر للأصغر سنا عرض المخاطبة ب" أنت" - سواء كان رجلا أو امرأة، ولكن في الحياة المهنية لا يلعب السن أي دور بل يتم التركيز على المكانة في التسلسل الهرمي داخل المؤسسة" .
ويضيف كلاين:" وبهذا لابد أن يسمح المدير أولا للموظفين بمخاطبته بـ" أنت"- بغض النظر عمن هو أكبر سنا. ولكن إذا التقى موظفان في نفس المستوى، مثلا مسؤولين عن أقسام مختلفة، فعندها يجب أن يبدأ الزميل الذي لديه أطول فترة في الشركة باستخدام صيغة" أنت ". وهذا ما يعتبره كلاين أمرا منطقيا وبديهيا.
صيغة المخاطبة كمرآة للمجتمع
تختلف استخدامات صيغة " أنت" حتى داخل الولايات الألمانية وذلك بطرق وأساليب مختلفة. وهذا ما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى سوء الفهم حسب المناطق والولايات، سواء في الإطار المهني أوفي الحياة الخاصة أيضا. ففي هامبورغ وميونيخ هناك أشكال مختلفة لاستخدام صيغة" أنت" عند المخاطبة وذلك بأوجه متعددة.
وبشكل عام تعرف الاتفاقيات أو الأعراف السائدة في صيغة المخاطبة تغييرا كبيرا في ألمانيا، على حد تعبير هولغر كلاته، المتحدث باسم جمعية اللغة الألمانية: "إن شكل وصيغة المخاطبة كانت ولا تزال تعبر عن مجتمع متغير وديناميات ضمن المجموعة التي يشعر المرء أنه ينتمي إليها." وبهذا فإن صيغة المخاطبة هي مرآة للمجتمع.
التغييرات في أشكال المخاطبة ليست وليدة اليوم بل ترجع إلى العصور الوسطى، كما يقول كلاته: "في ذلك الوقت كان يخاطب الأشخاص ذوي المستوى العالي بصيغة "أنتم"، أي بصيغة الجمع الثاني". وفي وقت لاحق تم استعمال صيغة المفرد الثالث أي"هو" أو "هي" لمخاطبة الأشخاص ذوي المكانة الاجتماعية العالية.
وفي بدايات العصر الحديث إبان الحكم الملكي المطلق ولدت صيغة مخاطبة جديدة تجمع بين صفة الجلالة مع صيغة الجمع الثالث، مثلا: "هل ارتاح جلالته، وهل يرغب (جلالته) في حمام صباحي؟"
صيغة "أنت" في الوقت الراهن
صيغة "أنت" أصبحت في الوقت الحالي أكثر تداولا. وعلى سبيل المثال في مجال الإعلانات، حيث تختلف الصيغة حسب المنتجات والفئة المستهدفة. خبراء الإعلانات الذين لا يتركون مجالا للصدفة يعتبرون استخدام الصيغة المناسبة أمرا مهم للغاية. فعند الترويج لمنتج غالي الثمن تجد عبارات مثل: " استمتعوا بعطلة نهاية أسبوع جميلة"أو" عيشوا لحظات مميزة على متن هذه السيارة". هذا في الوقت الذي تقوم فيه شركة سويدية لبيع الأثاث الرخيصة باستخدام عبارات من هذا القبيل: " هل أنت تعيش أم تسكن؟ واستخدام صيغة " أنت" في هذه الحالة تفيد الانتماء والارتباط لمجتمع مشترك.
تجريم استخدام صيغة" أنت"
ولكن استخدام صيغة " أنت" قد يعتبر إهانة وعدم احترام في بعض الأحيان. ففي بعض الحالات المعروفة في ألمانيا عندما قام المنتج الموسيقي الشهير ديتر بولن باستخدام صيغة " أنت" في حديثه مع ضابط شرطة انتهت القضية في المحكمة.
وفي دفاعه عن نفسه أكد ديتر بولن أن استخدام " أنت" تدخل ضمن سلوكياته وقاموسه المعتاد. وهو ما جنبه دفع 500 يورو كغرامة مالية حددها القانون الألماني لمن يخاطب الشرطة وغيرهم من الموظفين بصيغة " أنت". ولكن هل يصح للناس العاديين مخاطبة الموظفين والمسؤولين بصيغة" أنت."؟.
المدعي العام أولريش بريمر من النيابة العامة لمدينة كولونيا يشرح القانون الخاص بصيغة المخاطبة كالتالي: " المادة 185 من القانون الجنائي هي التي تحدد متى وإذا كانت هناك جريمة. ووفق القانون السائد فإن مخاطبة شرطي بصيغة " أنت" لا يكفي لجعلها جريمة، حيث يجب إثبات نية القذف أو التشهير". ولذلك فالإدانة بهذا الجرم تختلف من حالة إلى أخرى.
نصائح وإرشادات
الخبير في التعامل وحسن السلوك مايكل كلاين يعطي مجموعة من النصائح للوافدين على المحاضرات التي يقدمها. ومن أهمها تفادي مخاطبة رئيسك أو مدريك بصيغة " أنت" دون موافقة أو عرض سابق منه. ومن القواعد الأساسية أيضا عدم رفض عرض باستخدام صيغة " أنت." أو رفضه بشكل لبق لايثير غضب الشخص الآخر.
هانز مايكل كلاين يعطي للمشاركين في الحلقات الدراسية دائما القاعدة الذهبية في التعامل: " يجب أن يكون رد الفعل مناسبا، لذلك يجب أن يتعامل المرء بشكل عفوي وملائم. وهذه قاعدة آداب عالمية، يسهل تذكرها واستحضارها دائما، ليس فقط في ما يخص صيغة المخاطبة."