Philosophische Praxis für Jedermann
١ أكتوبر ٢٠٠٩أثناء صعود الدرجات التي لا تحصى والمؤدية إلى عيادة غيوم باولي، قد يخطر على البال أن الطريق إلى المعرفة بالفعل شاق وطويل. ويقع مكتب باولي في الطابق الثالث بإحدى المباني الجديدة التابعة لمسرح مدينة لايبريغ المركزي. هناك يجلس باولي على أريكة كتلك التي توجد عادة في عيادات الأطباء، مستقبلا زائريه وهو في حالة مزاجية رائقة على الدوام. وتحمل الغرفة المخصصة لاستقبال الزبائن الرقم خمسة، وقد تم تأثيثها بأسلوب يتسم بالبساطة الشديدة، حيث يتكون الأثاث في مجمله من طاولة مائلة السطح للكتابة وثلاثة كراسي وأريكة.
ويجري باولي محادثة هاتفية قصيرة يحدد فيها موعدا لأحد الزبائن، لكنه لا يعرف بالتحديد الموضوع الذي سيناقش في تلك الزيارة، وهو لن يبوح بموضوع الزيارة حتى إذا كان على علم به. وكما يقول باولي فإنه بالرغم من كونه ليس طبيا، إلا أنه يتمسك بواجب التزام السرية حيال زبائنه.
مغزى الحياة
وبينما باولي يتحدث حول أهمية الثقة في علاقته بزبائنه، يقرع الباب ويدخل أول الزبائن لذلك اليوم، وقد حضر بالضبط في الموعد المحدد. ولا يرغب الزبون وهو في نهاية الأربعينات من عمره أو ربما في بداية الخمسينات بالبوح باسمه الحقيقي. ويقول الزبون، ولنطلق عليه اسم السيد موللر، إنه عرف بأمر "العيادة الفلسفية" من الصحف. أما عن سبب قدومه فيقول إنه يخضع لجلسات علاج نفسي لكنه غير راض عن النتائج، فالمعالجة النفسية ترى أنها غير معنية مثلا بالإجابة عن تساؤله عن مغزى الحياة.
والأمر يختلف تماما في عيادة غيوم باولي "الفلسفية"، فهو معني بالمساعدة على البحث عن إجابة لذلك السؤال وغيره، وأيضا بمحاولة تفسير المشاكل والهموم والمخاوف وإيجاد حلول لها، لكن بعيدا عن الأجوبة والحلول الجاهزة، وكل هذا بشكل طوعي وبدون مقابل مادي. وكما يقول باولي فهو يريد أن ينصت ويساعد لكن بأسلوب حاذق وذكي استنادا على الإمكانات التي يتيحها علم الفلسفة. وكما يرى المعالج الفلسفي فليس هناك موضوعات فلسفية وإنما هناك أسلوب فلسفي للتعامل مع الموضوعات، وهو يضيف بأن تلك الموضوعات يمكن أن تتنوع من الطقس إلى فن الطبخ أو القطط وغيرها من الحيوانات المنزلية، فالموضوع في حد ذاته ليس هو المهم، بل الكيفية التي يتم تناولها به.
مساعدة عملية حياتية
لكن الزبون الأول في هذه الأمسية أي السيد موللر كما سميناه، لا يرغب في الحديث حول القطط أو الطقس، وهو لا يهتم كذلك بالأفكار الفلسفية المعقدة التي يطرحها "المعالج الفلسفي" باولي. فالسيد موللر بحاجة إلى مساعدة عملية في الحياة بشرط أن تكون في جلسة خاصة ومغلقة. وبعد جلسة دامت لساعة كاملة اختلى فيها بولي بزبونه، يخرج السيد موللر وعلامات الارتياح بادية على وجهه، فهل اقترب خطوة من الكشف عن مغزى هذه الحياة؟ إن هناك إحساس تلقائي يساوره بأن مجيئه إلى العيادة لم يكن بلا جدوى، وكما يقول فإن "على المرء ألا يأتي إلى هنا وهو يتوقع حدوث معجزة، بل عليه أن يتوقع تحفيزا على التفكير ومساعدة على اكتشاف زاوية جديدة للنظر عبرها إلى العالم."
الكاتب: روني آرنولد/ نهلة طاهر
مراجعة: هيثم عبد العظيم