1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عوائق أمام الطرح السياسي الإسلامي المعاصر

١٣ أغسطس ٢٠٠٩

فادي شامية

https://p.dw.com/p/J8pg

واقع الحركة الإسلامية المعاصرة يشير إلى اشتغالها بالسياسة، لأبعد المستويات، لكن هذا الأداء السياسي ما زال محكومًا بالعديد من المظاهر السلبية التي يحسن التوقف عندها باختصار:

نظرية المؤامرة

يستسهل بعض الإسلاميين التبرير لفشلهم السياسي بالحديث عن المؤامرة الكبرى التي تستهدف الأمة الإسلامية عمومًا والإسلاميين خصوصًا، ويستشهدون على ذلك بالوقائع التاريخية الكبرى والأحداث الراهنة، وهي وقائع صحيحة لا يمكن إغفالها، لكن الذي لا يجوز هو أن تتحول هذه المؤامرة إلى شماعة يعلق عليها الفشل دائمًا؛ فالكثير من السقطات يمكن تلافيها بالحكمة، والكثير من مظاهر الفشل يمكن أن يتم تجاوزها بالتخطيط السليم، وإن كان ثمة متآمرون في قضايا معينة قرارها بيد أعدائنا، فإن العديد من مشاكلنا هي من صنع أيدينا!.

ثقافة الخصام مع السلطة

ما زال الطرح الإسلامي يعيش أزمة صراعه مع السلطة لدرجة يصعب معها أن تقدم الحركة باتجاه التعامل بإيجابية مع أي سلطة، بل إنه لفرط ما سادت هذه الثقافة في أدبيات الحركة الإسلامية، فإن القيادة الإسلامية لا تنجو من رفض وتشكيك القاعدة إن هي داهنت أو فاوضت أو تفاهمت مع نظام حاكم، حتى ولو كان في ذلك مصلحة واضحة للعمل الإسلامي عمومًا. صحيح أن معظم الأنظمة تظلم الحالة الإسلامية لاعتبارات عديدة، أهمها أنها تعتبرها البديل الطبيعي لها، لكن هذا الواقع لا يقتضي التعميم، خصوصًا أننا نصنعه في كثير من الأحوال من خلال احتشاد ثقافة المواجهة والمحنة في أدبياتنا كإسلاميين، كأن الزمن توقف في فترة معينة سام فيها النظام العربي الحركة الإسلامية عسفا وظلما، حتى بتنا لا نتصور أن نلتقي مع أي نظام قائم عند منتصف الطريق... دائمًا نريد أن يصل القرآن إلى السلطان ولكننا لم نتخيل مرة أن يصل أهل السلطان إلى القرآن؛ لذا لم نعمل على تحقيق ذلك.

الموقف من مظاهر السياسة الغربية

يتغنى الكثير من الإسلاميين بالقيم وبالحضارة الإسلامية رافضين أي مظهر من مظاهر الحضارة الغربية التي تلتقي في جوهرها -وليس بكل تفصيلاتها بالضرورة- مع أسسنا الإسلامية كالحرية، والانتخاب، والأحزاب، وتوازن السلطات والقانون الدولي، وشرعة حقوق الإنسان، فضلاً عن رفضهم المطلق لمفهوم الديمقراطية وآلياتها... ولا يبذل هؤلاء أي جهد لتنقية هذه المفاهيم من ثوابت الممارسة الغربية المنحرفة فيلجئون إلى التعميم والرفض، ويصمون خطابهم بأيديهم بالرجعية والتأخر، ما يبعدهم عن شعوبهم ويفتح المجال للتشنيع عليهم.

نقد الخطاب ليس نقدًا للإسلام

تكثر الانتقادات والمناكفات والصراعات في العمل السياسي، سواء مارسه الإسلاميون أو غيرهم، لكننا نرى لدى رموز وجماهير العمل الإسلامي ظاهرة غريبة تقوم على تضليل الآخر -إن لم نقل تكفيره- إذا ما تجرأ على نقد الطرح الإسلامي في ميدان العمل السياسي، على اعتبار أن كل ما يصدر عن الحركة الإسلامية هو تعبير عن الإسلام نفسه، وهذا غير صحيح البتة؛ لأنه لا يجوز أن تنتقل العصمة والقدسية من المبادئ الإسلامية إلى الاجتهاد البشري، وليس من الكياسة في شيء أن نحمّل أي نقد أو رفض لطرحنا السياسي إلى الإسلام نفسه، لنبرر هجومنا على "الضالين المضلين الذين تجرءوا على دين الله". إن الحكمة تقتضي منا أن نبحث للآخرين عن ألف سبب يبعدهم عن شبهة رفض الحكم الشرعي في معرض انتقادهم لطرح الحركة الإسلامية، وفي ذلك مصلحة لنا وللمنتقدين؛ لأن الحوار المطلوب لا يستقيم تحت سيف التفسيق أو التكفير.

استحضار التاريخ في الحكم على الواقع

نتيجة بث تربوي معين نجد لدى شرائح عديدة من الإسلاميين استحضارًا للتاريخ في معرض الحكم على الواقع، ليس من باب الاتعاظ منه وأخذ العبرة، وإنما من أجل محاكمة الآخر على جرم اقترفه أسلافه منذ مئات السنين، ونتيجة وقائع تاريخية أغلبها مختلف عليه يحدث انقطاع في التواصل بين العديد من شرائح المجتمع وطوائفه ومذاهبه؛ لدرجة أن العديد من المصطلحات والأحكام الشرعية التي تتناسب مع الواقع في حقبة معينة لا تزال حاضرة في القرن الحادي والعشرين لدى التعامل مع المسائل، ومن ذلك على سبيل المثال تقسيم الأرض إلى دار كفر ودار إسلام، إضافة إلى الوقائع التاريخية المرتبطة بالخلافة ونشوء عدد من الجماعات، والفتن التي وقعت بين المسلمين.

توهم المثالية وقضايا الناس

يواكب الطرح الإسلامي مثالية مفرطة تجعل تحققه أمرًا مشكوكًا فيه لدى الجماهير الواعية، وسرابًا لا يُدرك لدى الجماهير البسيطة التي تؤمن به؛ إذ لا يمكن أن نتصور بحال أن الشر سيختفي جملةً، إذا ما تبنى الناس الطرح الإسلامي... صحيح أننا نعتقد أن فيه السعادة في الدنيا والآخرة، ولكن هذه السعادة لا تعني بحال من الأحوال أن الشقاء والتعاسة ستغيب عن هذه البسيطة. إن الاعتدال في الطرح وفي توقّع نتائجه ضروري حفاظًا على الطرح نفسه.

كذلك يركز الإسلاميون على قضايا الحكم والدولة والفساد في الإدارة والحيدة عن الثوابت، وفي ذلك خير، لكن كثيرًا من الناس لا يفقه ذلك أو لا يأبه له... ما يهم أكثر الناس القضايا التي تمسهم بشكل مباشر، المعيشة والمستقبل والأمان والضمان... ومطالب الحياة المحقة... وإذا لم يجد المواطن من يحمل همومه من الإسلاميين فسيلجأ لغيرهم!. من جهة أخرى فإنه لا ينفع الإسلاميين الابتعاد عن الملفات السياسية الكبيرة بدعوى أن الموضوع لا علاقة له ببرنامج الحركة؛ لأن الحياد السلبي معناه تغيب الحركة الإسلامية لنفسها وتركها فراغًا في الساحة لا بد أن يملأه غيرها.

حرق المراحل والرؤية التفصيلية

فقه التدرج في المراحل والمطالب غائب في كثير من الأحوال في العمل الإسلامي، ليس ثمة تمهيد من المرحلة السابقة إلى المرحلة التالية، نحن نطرح المثالية الإسلامية ونريد أن نغيّر مجتمعاتنا بين ليلة وضحاها، إن المفاصلة بين الحق والباطل جعلتنا لا نرضى بأقل من تحكيم الإسلام جملة، لكن النتيجة أننا نخسره جملة، خصوصًا إذا ما قام بعض العملاء باختراق ساحتنا وافتعال أمور ينفذها بعض البلهاء الذين يظنون أنهم يقومون بقربى إلى الله.

كذلك لا يزال الطرح الإسلامي بعيدًا عن البرامج والاجتهادات الحياتية والسياسية؛ ذلك أن بعض الإسلاميين يعتبرون مشاكل العالم اليوم ما هي إلا نتاج الحضارة الغربية وابتعاد المسلمين عن دينهم، وطالما أنها ليست من صنعهم فهم غير معنيين بحلها، وعلى المجتمع أن يؤمن بطرحهم لينجلي عنه ما يكدر عيشه، وما سوى ذلك فلا يعني الإسلاميين بشيء!. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض الإسلاميين يرددون شعارات فيها الكثير من التعميم، دون سعي جدي لتنزيلها على الواقع في برامج ورؤى واضحة.

التحالفات السياسية والانتخابية

يلاحظ على أداء الحركة الإسلامية في عدد من البلدان العربية والإسلامية أنها تفشل في الغالب في تسويق تحالفاتها السياسية والانتخابية مع الأطراف الأخرى، خصوصًا إذا كانت هذه الأطراف غير إسلامية، رغم أن الواقع السياسي والانتخابي يفرض في كثير من الأحوال التحالف تحت طائلة الفشل السياسي العام واستضعاف الحركة الإسلامية. الجذور تعود للتربية المبدئية التي يتلقاها أبناء الحركة الإسلامية، وفي ذلك جانب إيجابي واضح، لكن الجانب السلبي يتمثل في عدم القدرة على التعاطي الحصيف مع الواقع الذي يفرض نفسه على الحركة الإسلامية، على اعتبار أن القيادة تحتاج إلى هامش من المناورة السياسية يتيح لها صياغة تحالفات تخدمها في الراهن أو المستقبل؛ وهو الأمر الذي يجب أن يواكبه أبناء وأنصار الحركة الإسلامية بتفهم جيد، وهو ما لا يحصل في كثير من الأحوال، فتصبح القيادة مكبلة في حركتها، أو محرجة مع حلفائها فيما لو جازفت بصياغة تحالفات لا تتقبلها قواعدها.

إن جملة الملاحظات السابقة تفترض المعالجة بما يسهم في نمو وتوسع الحضور السياسي للحركة الإسلامية، وطروحاتها الحضارية.