1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عبقرية إدارة الأزمات

عباس العزاوي٢٤ يناير ٢٠١٣

يرى عباس العزاوي في مقالة رأي أن العراق يشهد اليوم تطوراً كبيراً في مجال النزاعات السياسية وأساليب عبقرية في توظيفها وإدارتها ، وقدرة باهرة في تحويل القضية الفردية إلى مظلومية عامة وصراعاً حتمياً بين الطوائف .

https://p.dw.com/p/17Ql9
صورة من: Reuters

ويضرب مثالا على ذلك في قضية العيساوي ، أو كما حصل في قضية حكومة كردستان والحكومة الاتحادية ، كانت القائمة العراقية مثلا ، تزعل وتنسحب ثم تصرّح وتتفاوض ثم تعود ، ترافقها بعض التفجيرات التي لا نعرف مصدرها ولان إعلامنا من النوع الساذج وبعضه طائفي ، إلا من رحم ربي! يردد ان ما يحدث بسبب مشاكل جميع الأحزاب السياسية ، الخجل او الخوف او ربما الحقد يمنعهم من قول الحقيقة وفضح الجهات التي تقف وراء هذه الأعمال الإجرامية والتي تحدث ليس بسبب الخلافات فقط وانما هي نشاطات فاعلة لأجنحة عسكرية مرتبطة ببعض الأحزاب ومستمرة بأعمالها ضد الشعب في حالة الاتفاق وربما تتضاعف الجرعة في حالة الاختلاف، وقد أثبتت التحقيقات ذلك، وقضية " الرمز الوطني" طارق الهاشمي خير مثال للمفخخات الرئاسية والقتل الوطني الكاتم.

تكنولوجيا الأزمات

التطور الأكثر إثارة وديناميكية تبلور في قضية إقليم كردستان حول عقود النفط ثم قضية تشكيل قوات دجلة وتحولت المشكلة من سرقة ثروات العراق وتهريبها دون وجه حق الى مشكلة شخصية بين المالكي والشعب الكوردي ،فالقادة الكرد أضافوا رونقاً جديداً للخلافات الوطنية المقدسة ، ويجب منحهم شارة الإبداع من النوع العسكري ، لانهم أرسلوا دبابات وأسلحة خفيفة وثقلية مع قوات (البيش مركَة) لتقف ضد مؤسستها المرجع ـ مانح الرواتب ـ، الجيش العراقي ، هذا التطور الهائل والمفرح لأعدائنا ،جعلنا نشعر بالامتنان المقرف للقادة العراقيين على خيبة الأمل هذه في معالجة الخلافات ، فالأخوة الكورد يريدون قتل جيشنا بأسلحة جيشنا وذبح أبنائنا بسكاكين أبنائنا!

ورئيسهم الرمز لا ينسى بين مناسبة وأخرى إطلاق صاروخ إعلامي ارض ـ ارض يبيّن ما يعمتر به ضميره السياسي وما يرقص له قلبه فرحاً، وبعد انتهاء دورهم التأزيمي تلقفها أصدقاؤهم وحلفاؤهم الجدد لإطلاق أزمة متطورة جديدة غزت الأسواق الإعلامية ، من الجيل الثالث لتكنولوجيا الأزمات ومن الوزن الثقيل وشعارها " بغداد النه وما ننطيهه " وهذا يعني الكثير إذا تمعنا فيه، لتبقى العاصمة متوترة وقلقة والغربية مستفزة وهائجة ويبقى الجنوب والوسط مترقب وحائر ويستمر النفط العراقي بالتسرب الى الخارج من تحت اقدام " المهوسجية " لا والله ما يحكمنه العتاكًة"! لكنهم قبلوا من قبل أن يحكمهم جاهل م... ودكتاتور قاتل!.

" ودونه للجبهة انقاتل "

غضب السيد " الرمز " رافع العيساوي وزير المالية ولكن ليس بسبب اعتقال حمايته المتهمين بأعمال إرهابية بل على أسلوب القوة التي داهمت مكتبه وإلقاء القبض عليهم ، أي أن اعتراضه كان على الطريقة المليشياوية في الاعتقال حسب وصفه ، وليس الاعتقال نفسه، ما شاء الله ، أصبحنا لا نخشى شيئاً ونجاهر بآرائنا جهاراً نهاراً ونصف رئيس البلاد بأقذع الأوصاف!

ونهدد ونتطاول على الحكومة بشجاعة عظيمة كنا نحلم ان نسمع بنسبة 0.001% منها في غرف النوم الخاصة وليس في الشارع أو الإعلام أيام الحكم البائد، نتحدى الحكومة ونصرخ في وجهها يومياً دون خوف من عواقب ذلك ، لأننا في بلد ديمقراطي وننعم بحرية منفلتة لا تخضع لأبسط القواعد الأخلاقية والقانونية، فديمقراطيتنا العراقية بامتياز ـ دكَـ النجف ـ ، تمنحنا حق رفع السلاح أيضا ضد الحكومة وتهديد السلم الأهلي ولا بأس بإعلان حرب ضد من نعتقد بأنهم غصبوا حقنا، هذه الحرية والديمقراطية التي يفهمها إخوتنا في الوطن سوى كانوا قادة الكرد أم قادة السنة ومن يرقص على أنغام عزفهم القومي أو الطائفي ، وهاهو العلواني يلوح ببندقيته في التظاهرات" ودونه للجبهة انقاتل " ولا نزال نجهل الجبهة التي يروم العلوانيون الأشاوس الذهاب إليها!.

لكن المثير في الأمر أن هذه الحرية اللا محدودة والشعور بالأمان من العقاب لم تمنح الوزير العيساوي شعوراً بالمسؤولية تجاه الوطن والتعاون من اجل امن وسلامة المواطنين! هذا إن كان الرجل بريئاً كما يدعي ، بل عمل بالعكس من ذلك، وهذا يؤكد الشكوك المثارة حول تورطه وحاشيته بأعمال إرهابية، والقضية الأكثر إيلاما ً خروج آلاف العراقيين في الانبار مؤيدة له وبدل شتم الحكومة باعتبارها مصدر" الظلم والاستبداد " شتموا الشيعة بدون استثناء، ثم غيروا الشعارات والأعلام التي رفعت ، بغيرها تدغدغ مشاعر أبناء الجنوب، فأي الشعارات كانت حقيقية الأولى أم الثانية!؟

وأي منها نصدق أو نعتمدها في التعاطي معهم؟

"اشتم إيران فتحشّد المناطق السنية"

لكي تجمع اكبر عدد ممكن من الناس في المناطق السنية ليس عليك الا شتم ايران وعملائها في العراق " لو رفعت شعارا يطلب التوظيف ، وتحسين الخدمات ، لن تنجح في كسب الناس ، ما عليك سوى ان تكتب لافتة ضد إيران ، سترى الجمهور يهتف سريعاً من خلفك "(1) ،هذا ما قاله احد المتظاهرين ، لتقود تظاهرة يحتفي فيها الإعلام العربي أيما احتفاء، وتتحول حتى مطالبك الشاذة وغير القانونية إلى مطالب مشروعة وقابلة للأخذ والرد ، وربما التنفيذ طالما تحكمنا العشائرية وإبراز العضلات الطائفية أمام الناس.

أُخرجت بعض " الحرائر" من السجون، وكشفت لجنة الحكماء كذبة اغتصاب السجينات ، وأطلق سراح حماية العيساوي باستثناء عشرة منهم أثبتت التحقيقات تورطهم حسب الشيخ حميد الهايس رئيس مجلس إنقاذ الانبار ، ومؤخرا صدر عفواً خاصاً من قبل رئيس الوزراء وإطلاق سراح 335 سجين وسبعين آخرين (2) وقد ذكرت لجنة اجتثاث البعث من جهة أخرى بان " استثناءاتنا لمناطق العراق السنية أكثر منها للشيعية " (3) ومع هذا كله ما زالوا مصرين على تنفيذ المطالب (13) غير الدستورية وزادوها مطلب إسقاط المالكي وحكومته ، وجعهم الحقيقي!.

"مطالب وطنية في ظل صور صدام واروغان!"

وهكذا استطاع صناع الأزمات السياسية المتقنة من تحويل القضايا الفردية إلى قضايا " وطنية مقدسة "عامة تمس حياة الشعب السني وتهدد مستقبله السياسي في البلاد ، مع أن بعض منظمي التظاهرة يتحدثون عن مطالب شرعية وان من رفعوا صور صدام واردوغان والشعارات الطائفية والإعلام القديمة كانوا دخلاء على التظاهرة !! ولكنهم مع ذلك لا يجدون غضاضة في الاستمرار بها مع وجود هؤلاء البعثيين القدامى حسب وصفهم ، بمعنى حتى لو انضم إرهابيو القاعدة إليهم ان لم يكونوا فعلاً حاضرين وبقوة ، فلا ضير في ذلك طالما سيدفع الحكومة للرضوخ لمطالبهم وإلا الاستمرار بالاعتصام ورفع سقف المطالب إلى أقصى حد! فهل يدرك شبابنا وإخوتنا المثقفون في الانبار؟ خطورة الموقف ان استمر العملاء والخونة بتجيير هذه التظاهرات والاعتصامات لصالح أجندات خارجية معدة سلفاً.