1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عالم مضطرب

مهند العزاوي١٦ مايو ٢٠١٣

يرى الدكتور مهند العزاوي أن العالم العربي قد اعد كمسرح للحروب كالعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والكويت والسودان ومصر والصومال واليمن وليبيا والجزائر ، ولا يمكن القول إنها صدفة بل أنها صناعة متأنية دقيقة الاستهداف .

https://p.dw.com/p/18Yuf
صورة من: dapd

يدخل العالم اليوم منعطفا حاد في السلوكيات والمسالك ، وتتعاظم فيه حرب العقائد والأفكار والحروب الخاصة ، وأضحت العقيدة المحورية الحاكمة التي تسيير النسق الدولي هي الفوضى المركبة وشن الحروب ، التي تنسف منظومة القيم وتنحر القانون الدولي ، وتمزق النسق الدولي وتهدم المصالح الدولية المشتركة ، وقد أثقلت المدرسة الواقعية العالم بحزمة من الأزمات والظواهر المركبة الزاحفة ، ويطلق عليها معتنقيها بـ (التحديات) في توصيف مجامل للفشل المروع العابر للفلسفة المثالية المعتمدة على التنظير والتخطيط والتنظيم والتنفيذ المسؤول ، وأصبح العالم كلوحة الشطرنج المضطربة ، تتحرك فيه البيادق بلا خطط ، وتختلط فيه مصالح الكبار مع رغبات التنظيمات المسلحة ، وتزدحم حرب الأفكار بسلوكيات وممارسات متشددة شاذة ، تصل لخوض حرب الفناء البشري كما تشهده لوحة الشرق الأوسط ، من حروب ونزاعات ذهب ضحيتها ملايين البشر ، وكان للعالم العربي الجزء الأوفر منها في حروب التفكيك المجتمعي والقصف بصواريخ بالستية ذات رؤوس طائفية .

الحروب الخاصة

يشير الفكر السياسي الغربي إلى أن المصالح هي العامل المشترك في رسم السياسات وقولبتها بقانون حاكم يضبط إيقاع النسق الدولي ، وفي تداعيات المدرسة الواقعية التي نسفت هذا ألفكر نجد التحول الأفقي من المصالح المشتركة للدول والمصالح الحاكمة للدول الكبرى إلى مصالح الأفراد كرؤوس أموال والشركات القابضة المتعددة الجنسيات لمؤسسات فرعية ، وأضحت خلال العقدين الماضيين هي السمة الأساسية في التعامل الدولي ، وتتنافس القوى الكبرى والدول المتمركزة الفاعلة ، ضمن (سياسية الوصول) وفقا لتلك السمات الفرعية ، والتي لا ترتبط بالقيم السياسية والتنظيم والتخطيط الاستراتيجي ، وتمارس الدول الفاعلة إستراتيجية (الاقتراب الغير مباشر والحروب الخاصة) عندما تنهك القوة او تتجنب زج قدراتها في رقعة معينة او تصدير أزماتها إلى الخارج ، حيث تقوم باستخدام وكيل محلي او إقليمي ليشن الحرب بالوكالة أو إشغال تلك الرقعة بالنزاعات والحروب الأهلية (الحروب الخاصة) ، لكي تديم مرجل العنف والإرهاب والقتل الذي يحقق وصول آمن بدون استنزاف للقدرات ، وبنفس الوقت يحقق هوس الأفراد والشركات بالولوج السريع لبيع منتجاتها للإطراف المتحاربة ، المتعلقة بالسلاح والتجهيزات والإعلام والاستشارات والسيارات ..الخ ، وبذلك لابد من اختيار رقع جغرافية تمتاز بالكثافة السكانية والحيازة المالية والثروات لتصنع مسارح الحروب الخاصة فيها .

العالم العربي أنموذجا

ليست صدفة ان يكون العالم العربي برمته هدفا متحولا بين الدول الفاعلة التي تعتمد فلسفة التأثير والإخضاع والتدمير والتمزيق ، بدلا من الاستقرار والتلاقح الحضاري والمصالح المشتركة والازدهار والانجاز القيمي والذي تدعو اليه المدرسة المثالية ، وخضعت الدول العربية خلال العقدين لشهوة رؤوس الأموال الحاكمة بالعالم ، وشركاتها وأمزجتها ، كما وشيطنت وسائل إعلامها ومراكز دراستها الأنظمة الشعوب لخلق العدو وصناعة الإرهاب العابر للإنسانية والتماسك المجتمعي ، بل وذهبت لترسيخ فلسفة ((اصنع الإرهاب وتاجر بالأمن القومي)) الذي تخطت عائداته أرباح النفط والذهب في عالم عربي اعد كمسرح للحروب الخاصة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والكويت والسودان ومصر والصومال واليمن وليبيا والجزائر ، ولا يمكن القول إنها صدفة بل إنها صناعة متأنية دقيقة الاستهداف ، وجميع تلك الحروب تعتمد على لاعب شرير أو بلطجي سياسي متسلح بفيروسات التفكيك الطائفي لترسيخها في عقول المجتمعات الأفقية وفق أساطير وهمية دينية وطائفية تديم مرجل الحروب الخاصة في بلداننا العربية .

تتسم خارطة العالم العربي بكثرة الرقع الحمراء ، وتتعالى فيها نزعة الحروب الخاصة والتنظيمات المسلحة والمليشيات ، وذهبت المدرسة الواقعية بفشلها المزمن ، والانتهازية الفردية الى تصدير التنظيمات الإرهابية والمليشيات بجيوش من الجهلة والقتلة المتخمين بها برايات مختلفة الى سدة السلطة ، في عدد من الدول العربية ومنها العراق ولبنان .. الخ ، وبذلك صنعت مسارح للحروب الخاصة لمائة عام بين تنظيم طائفي مسلح متخلف وبين شعب مسالم متحضر يطمح بدولة عصرية ، ويدور في فلكهم حفنة من الانتهازيين والمتفوهين ، والجهلة وأنصاف المتعلمين ليشكلوا حاشية نفعية لهذا العالم الإرهابي ، الذي أصبح (يصنع الإرهاب ويديم موارده لأجل الحفاظ على مكاسب فردية فئوية يمكن وصفها بطائفة السلطة ) ، ولعل العراق كان أنموذجا حيا طازجا يؤكد بعد عشر سنوات انه بلد يعج بالمليشيات والتنظيمات المسلحة والوافدة منها ، وتنتشر فيه السجون كتجارة مربحة يكون وقودها المجتمع والأبرياء تحت مسمى ((مكافحة الإرهاب)) ليجعل من العراق متصدرا لقوائم الفشل الدولي ، ومطلقا للصواريخ البالستية ذات الرؤوس الطائفية إلى جواره العربي .