1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رسالة مفتوحة موجهة للقوى السياسية والشعب الكردي الصديق في العراق

٣٠ يوليو ٢٠٠٩

د كاظم حبيب

https://p.dw.com/p/Izza

منذ ستة عقود ومنذ بداية ارتباطي بالحركة الطلابية العراقية (اتحاد الطلبة العام) والعمل السياسي (الحزب الشيوعي العراقي), تسنى لي أن أشاهد اتجاهين ملموسين:

أولاً: حركة وفعل الفكر القومي اليميني والشوفيني العربي في العراق ومواقفه إزاء القضايا العراقية ومنها القضايا القومية, ثم قرأت الكثير عن هذا الفكر منذ الثلاثينات من القرن العشرين في العراق وكتبت عنه, ثم عشت تجربة الفكر والممارسة الفعلية للقوى القومية العربية في الدول العربية والنظم العربية اليمينية التي برزت ومارست السياسة في بعض الدول العربية مثل مصر وسوريا منذ النصف الأول من القرن العشرين أو ما كان لهذا الفكر من تأثير مباشر وغير مباشر على سياسات دول عربية أخرى.

هذا الفكر القومي لم يعان منه العرب فقط, بل عانى منه بالأساس وبصورة صارخة بنات وأبناء القوميات الأخرى, سواء أكان ذلك في العراق أم في دول أخرى مثل الجزائر والمغرب أو السودان وسوريا أو مصر وحيثما وجدت قوميات أخرى أو أتباع أديان أخرى.

ففي العراق عانى منه الشعب الكُردي والتركمان والكلدان والآشوريين بشكل خاص, بسبب السياسات والمواقف الشوفينية والتي تحولت في ظل حزب وحكم القوميين ومن ثم بشكل خاص حكم حزب البعث إلى سياسات عنصرية وتطهير عرقي وتعريب وتشريد وتغيير بنية سكان بعض المدن العراقية, وخاصة في إقليم كردستان. وتبلورت الصورة القبيحة للفكر القومي اليميني والشوفيني والعنصري في مجازر الأنفال والضربات الكيماوية في حلبچة وفي قتل وسلب وتهجير الكُرد الفيلية, إضافة إلى الجانب الموقف القومي والعنصري في تهجير العرب الشيعة من مناطق الوسط والجنوب بتهمة التبعية لإيران.

ثانياً: وخلال هذه الفترات وتلك السياسات كلها كنت شاهداً ومساهماً في النضال المشترك لأتباع كل القوميات, وخاصة العرب مع الشعب الكردي وقضيته العادلة. وكان لهذا أثره البالغ والطيب على الحركة الوطنية العراقية وعلى نفوس كل الوطنيين والديمقراطيين الكُرد. إذ بسبب تلك السياسات القومية الشوفينية تعانق أتباع القوميات في العراق وتشابكت أيديهم في نضال مشترك ضد تلك النظم التي مارست تلك السياسات. كما لا يمكن أن ينسى نضال الأنصار الشيوعيين وأصدقاء الحزب الشيوعي العرب وقوى أخرى إلى جانب الپيشمرگة الكُرد والقوى الوطنية والديمقراطية الكردية في سبيل عراق ديمقراطي وحكم ذاتي لإقليم كردستان أو رفع شعار الفيدرالية من جانب الحزب الشيوعي العراقي فيما بعد وكمبادرة منه جاءت على لسان المناضل الشيوعي الراحل الدكتور رحيم عجينة منذ بدء التوقيع على اتفاقية عقد الجبهة الكُردستانية في العام 1988.

واليوم أتابع بقلق كبير, وكصديق للشعب الكردي, بروز ظواهر سلبية لم تكن شديدة الظهور في فترة النضال من أجل الحقوق القومية للشعب الكردي, وإذا كانت موجودة فكانت ضعيفة وهامشية ومحدودة في إطار الحركة السياسية الكردية, وكان لهذا أثره الطيب على القوى الوطنية والديمقراطية العربية. أما اليوم فأنا أتابع بقلق واضح وجود ظواهر جدية لما نطلق عليه بضيق الأفق القومي في الحركة السياسة الكردية وهي في السلطة وفي تصريحات ونشاطات بعض القوى السياسية الحاكمة التي يمكن أن تكون لها آثار سلبية على مجمل الحركة السياسية العراقية وعلى إقليم كردستان والعراق بشكل عام. لا أبالغ في ما أقوله في هذا الصدد, إذ أراقب بقلق تحول أو ابتعاد الكثير من الديمقراطيين العرب من أصدقاء الشعب الكُردي في العراق وفي الخارج عن التضامن مع القضية الكردية, حتى أن أعضاء "التجمع العربي لنصرة القضية الكردية" الذين وقفوا دوماً إلى جانب القضية الكُردية من منطلقات مبدئية وإنسانية, حيث أمارس في هذا التجمع صفة عضو الأمانة العامة وأمينه العام, عن التجمع ويمارسوا نقداً سليماً لبعض مواقف الحكومة الكُردستانية والتصريحات المتوترة والمثيرة أحياناً غير قليلة لبعض المسئولين الكبار في الإقليم.

إن من واجبي كصديق للشعب الكردي وكمناضل في سبيل حقوق القوميات في العراق والدفاع عن مصالحها ضد كل تجاوز عليها, أن أشير إلى الأخوات والأخوة الكُرد بأهمية إعادة النظر بأسلوب طرح وتناول القضايا الخلافية وأسلوب معالجتها على الصعيد العراقي, إذ لا يجوز التفريط بالتضامن الأخوي بين القوى الديمقراطية العربية مع القوى الديمقراطية الكردية ومع قضية الشعب الكردي في العراق, رغم معاناة القوى الديمقراطية العربية في العراق في المرحلة الراهنة من ضعف وتشتت, إذ أن هذا الضعف ليس حالة دائمة بل مؤقتة وهي الحليف الأكثر ثباتاً مع نضال القوميات الأخرى في سبيل حقوقها المشروع بالعراق.

إن الإصابة بالرؤية القومية الضيقة لدى الكُرد لا تختلف كثيراً عن إصابة العرب بالرؤية القومية الشوفينية في ما تتسبب به من عواقب سلبية على المجتمع بأسره.

كلي أمل في أن يعيد الأخوة المسئولون الكُرد في إقليم كُردستان العراق النظر بما يمكن أن يتحول إلى رؤية قومية ضيقة على صعيد المجتمع الكردي التي لا تساعد على حل المشكلات بطرق التفاوض السلمي وبآليات ديمقراطية مجربة على الصعيد العالمي وتقود بالعراق إلى نقطة الصفر, إذ أن هناك الكثير من القوى الذي يتمنى حصول ذلك, وهو ما يفترض أن نواجهه بقلوب دافئة وعقول باردة في صالح التضامن العربي – الكردي ومع بقية القوميات في العراق ولصالح بناء عراق مدني ديمقراطي اتحادي موحد.