1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

August Macke

سمير جريس٤ مارس ٢٠٠٩

لم يعش سوى 27 عاماً، إلا أن ما أبدعه أوغست ماكه قُدر له الخلود طويلاً. بصمة ماكه الفنية وألوانه المتوهجة لا تخطؤها العين، مثلما نرى في لوحاته التي دخلت تاريخ الفن باسم "الرحلة التونسية" والمعروضة الآن في متحف بون.

https://p.dw.com/p/H5Ox
في تونس اكتشف ماكه الضوء، فأبدع لوحات خُلدت باسم "الرحلة التونسية"

اختار أوغست ماكه (1887- 1914) August Macke في آخر حياته القصيرة مدينة بون ليعيش فيها ويبدع بعض أهم لوحاته – هذه اللوحات خصص لها متحف الفن في المدينة معرضاً خاصاً يُقام تحت عنوان "التعبيرية على نهر الراين". ويحيل العنوان إلى معرض آخر أشرف الفنان بنفسه على إقامته في بون عام 1913، عُرضت فيه لوحات لمجموعة من الفنانين جمعتهم الرغبة في تجديد وسائل التعبير الفني. غير أن المناخ المحافظ في بون لم يكن مهيئاً لاستقبال تلك اللوحات التي أبدعها ماكس إرنست وأوغست ماكه إلى جانب عدد آخر من الفنانين. لذلك جلب هذا المعرض للفنان ماكه عداوات وضغائن، جعلته في النهاية ينسحب من بون ليتفرغ في بيت ريفي لإبداعاته الفنية.

كان الفنان في تلك الفترة مشغولاً بالبحث عن أسلوبه الخاص بعد أن مر بمرحلة تأثر فيها بالفنانين الانطباعيين مثل مانية ومونيه، وبتكوينات سيزان وماتيس ذات الألوان القوية. ثم كان لقاؤه الخصب بجماعة "الفارس الأزرق" التي كان من أعضائها واسيلي كاندسكي وفرانتس مارك. استولى النهم الفني على ماكه، وراح خلال سنوات قليلة يتشرب مخلتف الاتجاهات، متأثراً على نحو خاص بالمذهب التكعيبي والتجريدي والمدرسة الحوشية (فوفيزم)، إلى أن سطعت عليه أشعة الفن المتوهجة في تونس.

الولع بالشرق

August Macke Aquarell Kairouan
"القيروان": من ثمار "الرحلة التونسية"

منذ القرن التاسع عشر والشرق يثير خيال العديد من الفنانين والأدباء في الغرب. هذه الخبرة عاشها أوغست ماكه أيضاً في عام 1910 عندما تردد على معرض أقيم في ميونيخ بعنوان "روائع الفن الإسلامي". وفي عام 1914 حقق ماكه حلماً ظل يراود خياله فترة طويلة، إذ قام مع زميليه الفنانين باول كليه ولويس موييه برحلة إلى شمال أفريقيا. هذه الرحلة دخلت تاريخ الفن الحديث تحت مسمى "الرحلة التونسية".

كان باول كليه (1879 – 1940) هو الداعي إلى هذه الرحلة، لا ليشبع نوازعه الرومانسية أو الاستشراقية، بل لأنه كان يطمح إلى اكتشافات فنية جديدة. ماكه أيضاً كان يشعر بانجذاب إلى ذلك الضوء المشرقي الساطع الذي يتخلل المناظر الطبيعية في تونس. لكن الفنانين المعدمين كانوا بحاجة إلى من يدعم مغامراتهم الفنية. توجه ماكه إلى صديقه وخال زوجته برنهارد كولر الذي كان يرعى فنه، ويسانده مادياً منذ سنوات طويلة، وفي هذه المرة أيضاً قدم لهم المال اللازم عن طيب خاطر، آملاً أن يحصل في المقابل – وهو ما يتوافق مع المخيلة الاستشراقية في ذلك الوقت - على "لوحة ملونة لإمرأة سمينة من حريم القصور".

الرحلة التونسية

August Macke, Tuerkisches Cafe I
"مقهى تركي" من أشهر لوحات أوغست ماكهصورة من: picture-alliance/akg-images

في مطلع أبريل (نيسان) 1914 سافر ماكه عبر برن ومارسيليا إلى قرطاج. بعد زيارة معالم قرطاج الأثرية، انطلق مع زميليه ليزور الحمامات والقيروان. وفي السابع عشر من أبريل (نيسان) عاد إلى تونس. ثم شرع ماكه وموييه بعد خمسة أيام في رحلة العودة.

خلال تلك الرحلة القصيرة أبدع ماكه أعمالاً متميزة تبلورت فيها كافة خبراته الفنية السابقة، بل ومن الممكن القول إن سماء تونس الزرقاء وأشعة شمسها قد أكسبت لوحاته وهجاً وتألقاً فريداً. راح الفنان يستكشف بفضول طفولي ذلك البلد المجهول وتلك الثقافة الغريبة، مسحوراً بالألوان المبهجة والحيوية التي تملأ الأزقة والأسواق والمقاهي، مأخوذاً من العمارة والنباتات الإكزوتيكية، ومفتوناً بأشعة الشمس البهية الساطعة فوق كل شيء. وعلى الفور شرع في تحويل هذا الكنز اللانهائي من المشاهدات والملاحظات والصور إلى لوحات، من أشهرها "المقهى التركي" و"نظرة في الزقاق" و"القيروان".

تكثيف الوهج وانطفاءة الشهاب

August Macke Aquarell Felsige Landschaft
"طبيعة صخرية" في تونس: الضوء والبهجة وحب الحياة

بالرغم من تلك اللوحات الرائعة التي أبدعها ماكه خلال رحلته وبعدها فإن نقاد الفن لا يعتبرون "الرحلة التونسية" نقطة تحول في حياة ماكه، بل ينظرون إليها باعتبارها تكثيفاً للغته اللونية الوهاجة. كانت لوحاته الكثيرة التي رسمها بعد الرحلة التونسية تشع ضوءاً وبهجةً وحباً للحياة. وبينما كان الفنان مستغرقاً في رسم البهجة، ومستمعاً ببهجة الرسم، استُدعي إلى الجيش للمشاركة في الحرب العالمية الأولى في أغسطس (آب) 1914. وبعد بضعة أسابيع لا غير، في صباح السادس والعشرين من سبتمبر (أيلول)، يُصاب الجندي إصابة قاتلة، وينطفئ كالشهاب في ريعان شبابه.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات