1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رأيي في التوافق.. بهدوء

عبد المنعم الأعسم ١٢ يونيو ٢٠١٤

رغم مرور أسابيع على الانتخابات البرلمانية العراقية، لاتزال هوة الخلافات كبيرة بين الأطراف السياسية ولا تلوح في الأفق بوادر اتفاق لتشكيل حكومة جديدة. الكاتب عبد المنعم الأعسم يدلي برأيه حول التوافق والمحاصصة السياسية.

https://p.dw.com/p/1CHIh
Irak Nuri al-Maliki und Masoud Barzani in Erbil 09.06.2013
صورة من: Reuters

عض الاصابع ولي الايدي وجس النبض واستعراض القوة والتهديدات والتهديات المضادة، كلها مقدمات لـ"صفقة" يعدها اصحاب معادلات الحكم لابقاء نظام المحاصصة في حشوة المرحلة وقد تتخذ هذه المحاصصة اسما مستعارا انيقا هو التوافق، برغم ان التوافق –في علم السياسة- لا يعني بالضرورة عملية تقسيم المغانم كما جرى، ويراد له ان يجري الآن.

فمن يعده ضروريا في مرحلة الانتقال التي يمر بها العراق لتجنيب البلاد المزيد من التمزق والصراعات، ومن يراه خطيئة تتعارض مع مبدأ الديمقراطية، ومفرخة للمحاصصات، وبدعة من بدع العهد الجديد والاكثرية الحاكمة.

واحسب ان مناقشة هذا الموضوع تفترض، اولا وقبل كل شي، تحصينه من التبسيط، وتقلّب المواقف، ومزايدات سوق الاعلام، كما تفترض، في المقام الثاني، الاعتراف بأن التوافق هو نقطة الوسط في الخيارات المتضاربة، وقد يكون اتفاقا يضم منسوبا متقاربا من المصالح والاهداف، يدرأ فيه المتصارعون خطر الانزلاق إلى العنف في ما بينهم، او انهم يضعون فيه ألغاما لسينياريوهات حرب واقصاءات ضد جبهات اخرى.

التوافق، من جهة اخرى، ابن شرعي لعصر التحولات، والاستقطابات الجديدة، لكن المشكلة تتمثل في انه قد يصبح ابنا عاقا حين يُختزل إلى صفقات مشبوهة تهدف إلى تكريس الدكتاتوريات والمظالم، وقد يخرج هنا من التعريف المدرسي للتوافق إلى معنى آخر اقرب إلى التآمر.

التوافق غير المحاصصة

وبخلاف ذلك فانه لا مفر من التوافق على حلول وسط، متوازنة ومشرفة، بين الفئات والخيارات السياسية العراقية المختلفة وهي تقف عند منعطف تاريخي مفتوح على احتمالات تمتد بين الجحيم والمعافاة، والبديل عنه يتمثل في مواجهات كارثية لن تعود بالخير على ايّ منها، فيما تدخل قضية تشكيل الوزارة الجديدة في مختبر النوايا، وصدقية الالتزام بالعهود، والرغبة في ترجمة شعارات التعايش إلى الواقع، على الرغم من ان الكثير من عناصر هذه الازمة مستمدة من ارث السنوات المحاصصية العجاف، وبعضها من فضلات الدكتاتورية الشوفينية.

التوافق، طبعا، ليس مبدأ للمحاصصة. الاول عملية تقريب وتجسير لوجهات النظر والمطالب والمشاريع والشروط المتباعدة والمتصارعة وفق قواعد سياسية تتسم بالحرص على نزع فتيل حريق قد يشب في اية لحظة وتجنيب البلاد المزيد من الانشقاقات والحروب، والثاني تقسيم للفرص والوزارات والمواقع والنفوذ والوظائف الحكومية وملازم الثروة والجاه على اساس طائفي وفئوي. الاول، ينطوي على تضحيات مبررة ببعض المصالح، والثاني يبرر التشبث، غير المبرر، بالامتيازات. الاول، يتقرب من معالجة حالات التهميش بالنسبة لمكونات او فئات وكفاءات، والثاني يكرس حالات التهميش لمكونات وجماعات وكفاءات.

إلى ذلك فان التوافق كإدارة لمصالح متضاربة، او متجاورة، دخل ويدخل في صلب العلاقات الدولية وفي اساس المعاهدات والمواقف التي تعالج الازمات الدولية والاقليمية، ويعود له الفضل في تجنيب البشرية الكثير من الويلات، ويعود اليه العقلاء لتسوية صراعات دموية وتداخلات معقدة.. وقد يعود اليه مجانين ركبوا رؤوسهم ردحا من الزمان، فاكتشفوا عبث الاوهام التي يمتطونها.

"إلهي.. أشكوك.. هؤلاء عبادك اجتمعوا لقتلي.."

الحلاج