1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

جمهورية العراق الشيعية

حامد الشريفي٢٨ فبراير ٢٠١٣

بمرارة مفعمة بالحزن، يروي حامد ألشريفي رؤيته لتاريخ العراق خلال 100 عام، مؤكدا مرة أخرى أن أغلب العراقيين أحبوا زعيما واحدا انتمى لشعبه، ولكنهم لم يدافعوا عنه بل سلموه ببساطة إلى قتلته.

https://p.dw.com/p/17nVo
صورة من: picture-alliance/dpa

وحكم الشيعة العراق.. بعد قرون طويلة من التهميش والإقصاء على كافة الأصعدة من قبل الدول و الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق ، والاهم هو حرمانهم من مزاولة طقوسهم المذهبية ، فكان الشيعي لا يجرأ على البوح بحبه لعلي والحسين (ع) ، ففي عقيدة الشيعي ان اللطم وضرب القامات (السيوف) وجلد الظهر بالسلاسل هي من شعائر الدين ، وان كانت قد أدخلت (كما ذكرناها في مقال سابق) من قبل الصفويين لكنها ترسخت في العقل الشيعي بسبب أغلبية مراجع الشيعة ذوي الجنسية الإيرانية ، لذا ترى الشيعي الكلاسيكي العراقي (وليس المؤدلج) يسكر أو يقامر ولكنه في شهر محرم يمتنع عن ذلك بل ويمارس تلك الطقوس المذهبية سالفة الذكر ، فالعرق والطقوس عنده خطان أحمران .

فكانت القوانين المتعلقة بتلك الطقوس من قبل الحكومات المتعاقبة على العراق بين مد وجزر ، وخصوصاً في زمن الدولة العثمانية التي أعتمدت في ذلك على سلطانها ، فالبعض من أولائك السلاطين كانوا متسامحين مع الشيعة فيها ، والبعض الآخر كان متشددا بل ويحاسب عليها حساباً عسيراً كقطع اليد وهدم المسكن والنفي إلى إيران الخ.. وحين جاء الجيش البريطاني الى المنطقة في مطلع القرن الماضي حاول ان يتفاهم مع شيعة العراق كونهم الأغلبية المسحوقة ليكسب وقوفهم إلى جانب القوات البريطانية ضد العثمانيين السنة ، ولكن كانت فتاوى علماء النجف جاءت مخيبة للآمال كالعادة لتأمر أتباعها بالوقوف مع الظلمة العثمانيين كونهم مسلمون ! على الرغم من الظلم والاضطهاد الذي عاناه الشيعة على يد اغلب السلاطين العثمانيين ، وبعد انتصار الانجليز في الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية المتآكلة (الحصان الخاسر للشيعة) أعطوا مطلق الحريات للشيعة لمزاولة طقوسهم وشعائرهم على الرغم من اصطفافهم الى جانب العدو المهزوم في الحرب ، ليعيشوا فترة انفراج وحرية غير مسبوقين ، ولكنهم وبسبب فتاوى مراجعهم الغير مسؤولة بدأوا بحرب عصابات ضروس ضد الانكليز كونهم كفار ! ولتنتهي معركتهم بجلاء القوات البريطانية من العراق ، ليبدأ عهداً جديداً من تاريخ العراق الحديث .

بعد الانجليز ذهب الحكم إلى سنة العراق

العهد الجديد أسفر عن تأسيس المملكة العراقية السنية بالكامل ماعدا بعض المناصب القليلة التي انيطت فيما بعد لرجال شيعة مثل محمد الصدر وصالح جبر وغيرهم ، وابتهج الشيعة لخلاصهم من المستعمر البريطاني .

جئ بالملك فيصل الأول من الحجاز وكان ضعيفاً بعض الشيء كونه غيرعراقي ، لذا كان اعتماده في تلك الأمور على الذين حوله ، فكان منهم الطائفي المتعصب ومنهم المتسامح حتى انتهى العهد الملكي في عام 1958 ليدخل العراق ولأول مرة في العهد الجمهوري .

بدأت مظاهرات الشيعة فرحاً بزوال حكم الملوك ، مرحبين فرحين بحكم الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم الذي حكم وعاش ومات ولم نعرف مذهبه ، بعضهم من قال شيعي وبعضهم من قال سني واخرين قالوا من ام شيعية واب سني . فمهما كان مذهبه فحقيقته لا تتغير ، فكان رحمه الله لا يفرق بين عراقي وآخر مسلماً كان ام مسيحياً او يهودياً او صابئياً ، فتنفس الجميع هواء الحرية ومن ضمنهم الشيعة الذين عاشوا عصراً يعتبر ذهبياً،

ولكنهم سرعان ما انقلبوا عليه ! وكثير منهم من ساهم بشكل غير مباشر بقتله! لكون المرجع الشيعي الأعلى في ذلك الزمان السيد محسن الحكيم كان على خلاف معه بسبب قانون الأحوال الشخصية الحضاري(هذا ما يقال وما خفي كان أعظم ) ، فتبرع بعض تجار الشورجة (الشيعة ) الذين ازدهرت تجارتهم واثروا بسبب منح الزعيم إجازات الاستيراد المفتوحة لهم ، تبرعوا بأموال كبيرة إلى خلايا حزب البعث والحزب القومي العربي الناصري ليقوموا بانقلاب دموي انتهى بقتل ذلك الإنسان النبيل الزاهد في الدنيا والذي عمل لأربع سنين في تأسيس بنية تحتية مازالت آثارها شاخصة لحد ألان ، عن طريق تنفيذ خطط تنموية كانت معطلة منذ ايام الملك ، ليمر تاريخ العراق بحقبة سنية طائفية أخرى قصيرة لا تتجاوز الخمس سنوات حكم فيها الأخوان عارف اللذان منحا الشيعة ( متفضلين ) بعض الحريات فيما يتعلق بطقوسهم فقط .

"يزيد العصر"

حتى جاء ما يسميه الشيعة بطاغية هذا الزمان أو يزيد العصر ، صدام حسين الذي قتل منهم من قتل وهجّر من هجّر وأجاع الشعب بكامله تقريباً إلا الحفنة من مناصريه المخلصين سنة كانوا أم شيعة ، ومنعَ تلك الطقوس بشكل شبه تام ، ونكّلَ بعلمائهم ورجالاتهم ، حتى وصل الحال بالشيعة أن يسموا أبناءهم عمر وعثمان ! وهم لا يحبون تلك الأسماء كما هو معروف، وتسنن منهم عدداً وتخفى عدداً عملاً بمبدأ التقية المتبع عند الشيعة والمأخوذ من حديث للإمام الصادق (ع) من لا تقية له لا دين له ، ولا من محارب له أو حتى معارض يذكر سوى من خرج من العراق أما لدول الجوار أو لأوروبا ، فكانت معارضة إسلامية وهمية صنعتها إيران ونمتها لتضغط على صدام أثناء حربها معه كونه احتضن اكبر فصيل معارض للخميني هو مجاهدي خلق ، فلا مقاومة شعبية لصدام ولا يحزنون بل هروب جماعي منه ليستوطنوا أصقاع الأرض من أوروبا وشمال أمريكا إلى استراليا ونيوزيلندا مروراً بالهند والصين وحتى إسرائيل .

نعم ، هذا ما اخبرني به احد كبار الدبلوماسية اللبنانية حينما سألته عن سبب صعوبة منح الفيزا اللبنانية للعراقيين فاخبرني بأنهم يذهبون إلى جنوب لبنان ويدخلون إسرائيل عن طريق مهربين محترفين ، ويحصلون على حق اللجوء السياسي هناك والسكن المناسب والدخل المعتبر ومدارس باللغة العربية والانجليزية لأولادهم بالإضافة إلى الضمان الصحي الشامل الذي يؤمن العلاج المجاني في كافة مستشفيات إسرائيل بما فيها مؤسسة هداسا العالمية للإمراض المستعصية .

"الأمريكان حرروا العراق وشيعته"

أقام الشيعة المآتم الحسينية ونشروا مذهبهم ومارسوا طقوسهم الدينية مستغلين فضاء الحرية الممنوح لهم في المهجر ، حتى جاء يوم الخلاص يوم التاسع من ابريل عام 2003 حينما اسقط الصنم وتحرر الشيعة وباقي العراقيين من جلادهم صدام على يد الجيش الأمريكي ودباباته (أبراهام) وبندقياتهم M16، ورقص الشيعة رقصة التانكو فرحين مستبشرين يهنئ احدهم الآخر ولتبدأ مراسم الطقوس الشيعية بلا حدود . ولكن سرعان ما انقلب الشيعة مقاتلون أشاوس ضد الاحتلال الأمريكي "الكافر" الذي قاتلوه بضراوة "قتال الأبطال" !

سبحان الله ، أرأيتم كيف يعيد التاريخ نفسه من جديد ؟ ما أشبه اليوم بالبارحة ، ولكن هذه المرة المرجع الأعلى لم يعارض بل التزم الصمت واكتفى "بالهمس" خصوصا فيما يتعلق بالانتخابات من خلال المنابر والوكلاء وصغار رجال الدين ، واغلب الشيعة في حيرة من أمرهم هل يؤيدون الأمريكان أم يحاربونهم كما في الماضي ؟ ولم يجدوا الجواب الشافي والمباشر من لدن المرجع الأعلى المتردد هذه المرة ، فانقسموا بين مؤيد ومحارب حسب مصالحهم الشخصية وتوجيهات إيران الحاكم الفعلي للعراق ، وكان في سكوته وتردده منفعة كبرى للسياسة الإيرانية في العراق والإقليم عموماً .

يقال إن الانكليز (من خلال تجاربهم السابقة مع شيعة العراق) نصحوا الكاوبوي الأمريكي أن لا يفسح المجال لحريات كبيرة للعراقيين ، حيث وصف رئيس حكومة بريطانيا العظمى ونستون تشرشل العراقيين بأنهم (بركان من نكران الجميل ) وعلى ما يبدو فإن الأمريكان لم يلتزموا بتلك النصيحة ، فقدموا ما يقارب الخمسة آلاف قتيل من جنودهم وعشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين والمختلين عقلياً ، هذا إضافة إلى أكثر من ترليون دولار التي صرفوها على عمليات "تحرير" العراق .

"يقاتلون من وهبهم الحرية"

وقف متطرفو الشيعة المتمثلين بتيار الصدر مع المتطرفين السنة في قتال الأمريكان الذين أتوا بالحرية المطلقة لهم في الإفصاح والتعبير وممارسة تلك الطقوس على نحو غير مسبوق .

فهذا هو ديدنهم ولا أريد أن أخوض بالأسباب كونها كلها أسباب اجتهادية وتحليلية لا مجال للخوض بتفاصيلها . فتراهم ساكتين كأسود السيرك مع مروضهم كما الحال في عهد صدام ، ولكنهم اسود كواسر على من يشفق عليهم مثل الزعيم عبد الكريم قاسم او من يوفر لهم الحريات كالانكليز او الأمريكان .

واليوم هم من "يحكمون أنفسهم بأنفسهم" مستبدلين سوط صدام بسياط شيعية متعددة ، فلا حرية عبد الكريم قاسم ولا دلال الأمريكان ، فالأحزاب الشيعية الحاكمة اليوم كلها تَحكم وفق معادلة وخارطة طريق كل حسب حجمه وعلاقاته ببلد المنشأ .

فاليوم وفي جمهورية العراق الشيعية ، تقام الطقوس على أشدها بل أدخلت عليها التعديلات والتحسينات لإرضاء كل الأذواق ، فعلى سبيل المثال المشي على النار لم يكن طقساً متبعاً لكنه أصبح كذلك بفضل تلك الجمهورية الوليدة ، وبدل أن تكون مدة تلك الطقوس عشرة أيام من المحرم مضافاً لها ثلاث أيام الأربعين في شهر صفر ، أصبحت شهرين كاملين ! هذا بالإضافة الى وفيات ومواليد وأعياد لم تكن في التقويم الشيعي العراقي ، أضيفت كلها ليصبح عدد أيام تلك المناسبات يفوق 100يوم في العام ! وهذا كله على حساب الخدمات والأمن المفقودين والفساد المالي الذي فزنا وتميزنا به على جميع دول المعمورة ، فلا تقدم ولا صحة ولا دواء ولا تعليم ولا ثقافة ولا بناء ولا امن في ظل تلك الجمهورية الجديدة ، إلا نجاحها في تشجيعها لتلك الطقوس وفي إذكاء الطائفية .