1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ثقافة التوريث السياسي

حسن حاتم مذكور٣١ أكتوبر ٢٠١٣

يرى حسن حاتم المذكور أن التوريث هو حصيلة للطغيان ، يتورط بملفاته غير السويين من خارج الثوابت الوطنية ، في مراحل الانتكاسات والضعف وتربة الدسائس أو المؤامرات.

https://p.dw.com/p/1A9U5
Baghdad, IRAQ: (FILES): This undated file photograph shows Iraqi president Saddam Hussein. Ousted Iraqi leader Saddam Hussein was executed by hanging early Saturday morning, 30 December 2006, state-run Iraqiya television reported. AFP PHOTO/FILES (Photo credit should read -/AFP/Getty Images)
صورة من: AFP/Getty Images

التوريث : ثقافة شرقية ــ عربية إسلامية ـــ بامتياز ، وهي حصيلة للطغيان ( نزعة ) وللغرور ( بلادة ) ، يتورط بملفاتها غير السويين من خارج الثوابت الوطنية ، في مراحل الانتكاسات والضعف وتربة الدسائس ( المؤامرات ) يتم تصنيع مثل تلك النماذج لأنجاز المهم والملح من فصول المشاريع الغازية حضارياً واقتصادياً وسياسياً ومخابراتياً وعسكرياً أحيانا ، تبقى الملفات السرية للمهمات القذرة مقلقة للطاغية الجاهل ، وحتى لا يستقر فأس الفضائح والمحاسبة الجنائية في رأسه والعائلة وحبربشية الحزب معه ، يفكر في مخرج التوريث لضمان دوام الحال.

يصاب الطاغية الجاهل بعقدة التوريث عندما يشعر ان مصالحه والمكاسب السياسية والاقتصادية للعائلة وغلافه الحزبي ، أصبحت فوق المصالح العليا للشعب والوطن وان المواطنين ليسوا أكثر من قطيع تحت رحمته ورعايته ، وان فضلات المكاسب المادية التي يحصلون عليها ، ما هي إلا مكرمات القائد ويجب ان يقدموا له الشكر والطاعة والخنوع.

مثلما للطاغية المغرور ورثته ، فلأفراد حكومته ورثتهم أيضا ، هنا يتم ابتلاع الحزب من قبل القائد وبذات المشتركات يتم التوافق على ابتلاع الدولة والمجتمع من قبل الجميع ، حيث تتمدد حكومة كوارث ومصائب تدفع بالأمة الى هوة التخلف والانحطاط .

لم يشكل سقوط الطاغية وحاشيته العائلية والحزبية شأنا ذا أهمية ، فهو ساقط منذ بدايته ، لكن الضريبة المكلفة التي يدفعها الشعب والوطن ، تتواصل مأساة وفواجع مرعبة لعدة عقود.

"الطاغية لا يملك إلا خيار التوريث"

كما اشرنا : ان ما يفزع الطاغية وغلاف المرتزقة ، هي الملفات التي يبتزه بها من وظفوه ثم كلفوه مجبراً على انجاز تلك الملفات القذرة ، انها ملفات تشده الى وتـد التبعية دون خيار ، لا يملك مخرجاً سوى تهيئة الوريث لانجاز ما تورط به ، الى جانب ذلك ، فالأسياد يملكون تحت إبطهم رعيلاً جاهزاً من سفلة المرحلة، وعندما يصبح التوريث ثقافة ، تصبح معه حكومة التوريث مستنقعها كظاهرة عراقية من رأسها ( القائد ) وحتى اخمص شراذمها.

نائب سابق ، كغيره يتحدث ويدين الفساد والمحسوبية والرشوة ويدعو لاحترام الكفاءة والنزاهة والقانون ، وجهت اله دعوة من إحدى منظمات المجتمع المدني في الخارج لحضور مهرجان للتضامن مع العراق ــــ وعدهم بالحضور وخصصت له فقرة ــــ ، لكنه بدلاً من حضور المهرجان ، كان مشغولاً بتعيين ابنه في القنصلية العراقية في ( ...)، وتلك حالة من مئات الحالات ، وليس في الأمر غرابة ، فالسفارات العراقية والسلك الدبلوماسي بشكل عام أصبحت ( إقطاعيات ) خاصة تستورثها بالتناوب عوائل الحاكمين سابقاً ولاحقاً ، رموز العملية السياسية الراهنة ، ومثلما استورثت وتحاصصت مؤسسات الدولة ومعها الأجهزة العسكرية والمخابراتية والأستخباراتية وجعلوا من سلكها الخارجي ، روضات خاصة يتطفل ويتعلم داخلها أبناء وبنات المغمورين على ممارسة العمل السياسي والدبلوماسي والثقافي وكذلك الأمني ، استهتروا فيها وجعلوا من فضائحها مهازل لا تثير فضول الرأي العام.

" السخونة التي ينقلها البعثي ، أهون من موت يجلبه العلماني"

محزن ومخزي ، أن اغلب الرموز التي لا يعرف تاريخها غير تعدد خيوط التبعية والسقوط في مستنقعات الانتهازية والوصولية والارتزاق وسرقة تضحيات ( ولد الخايبه ) ، تلك الرموز السياسية والاجتماعية والدينية التي تسللت وبشروط مهينة من جيب السفارة الأمريكية ، لم تكتفي بتسويق ابناءها وبناتها والمقربين من عوائلها وعشائرها وانتهازيي أحزابها ، بل عبت مؤسسات الدولة بمحترفي الفساد والجريمة من فرق بقايا سفلة النظام البعثي ومن بينهم مجاميع مخابراتية واستخباراتية خطيرة ، لا زالت تقتدي بوصية صدام حسين " من يريد العراق .. يستلمه بلا شعب " فأصبحت قنوات لمرور جرائم القتل والتفجير اليومي ، حلف مع أهون الشرين ، حيث قال احدهم وأمام جمع غير قليل " السخونة التي ينقلها البعثي أهون من موت يجلبه علماني ، وباستثناء الماضي القمعي للبعثيين ، فلنا معهم مشتركات عقائدية واجتماعية وفلسفية وأخلاقية ن تجمعنا معهم لمواجه علمانية المشركين " .

بمثل تلك العقلية ( الطايح حظهه ) ثم تسويق الآلاف من أعضاء فرق الافتراس الجماعي للزمن البعثي ، وكأن العراق ارث فقد وارثه ولم ينفع معه إلا التقسيم والحوسمة والفرهود الشامل.

"الساسة يستعينون بانتهازيي رؤساء العشائر"

اغلب المسؤولين إن لم نقل جميعهم ، هروباً إلى أمام ، يستعينون بانتهازيي رؤساء العشائر.

" صديم صيتك ـــ هز الدنيه وما بيهه"

" يالرايد حل ـــ هدنه عليهه"

كغطاء شعبي لتحقيق بعض المكاسب الانتخابية ، او تبريرات مسبقة لدعم المهمات القمعية القادمة لقاعدة المليشيات الحزبية ، مستعينين أيضا بعشائر الإعلاميين والمستثقفين الذين لطعوا الفضلات من تحت اقدام صدام وأولاده وإخوته ( غير الشرعيين ) ، إنها القمة التي يبدأ منها الانحطاط والسقوط في آن.

عندما يبدأ انتفاخ المستطغي الجاهل بغازات أوهامه ، يدفع به حشر المداحين كطائرة ورق إلى اعلى قمة غرور ممكنة وبانتهازية مقارناتهم يوهموه على انه عظيم وضرورة و ( فلتـه ) لا بديل لها ، فيسقط في فخ فراغ العظمة بكل حماقاته وسخافاته وجهله ، لينتهي منبوذاً مشتوماً مستهجناً تطارده لعنة الرأي العام ، بعدها يتخلى عنه فيلق المهمات القذرة ليبدءوا النفخ في الضرورة القادم من مواخير الجهل والانحطاط.

أول محطة سقوط في مسيرة الطاغية الجاهل ،عندما يخدعه الوهم على ان الوطن أصبح مزرعته الشخصية ، فتبدأ عنده عقدة الاستيراثونزعة التوريث لأشطر أبناءه وأكثرهم شبهاً وطاعة وتقليداً ، هكذا كل الذين حكموا العراق والى يومنا هذا باستثناء مرحلة الشهيد الوطني عبد الكريم قاسم حيث كانت الوطنية كل ما يملكه والشعب وريثه ، التوريث ثقافة يستمدها الطاغية الأهبل من غلافه السميك من المستشارين وإفراد مكاتبه وحمايته وانتهازيي حزبه وما هم تحت الطلب من إعلاميين ومداحين ورداحين ، في العراق الاستثناء ، كل الذين فكروا أو حاولوا استيراثه وتوريثه، سقطوا قبل أن يستلم الوريث وصية والده.

" مسلسل سقوط الطغاة قبل أن يستلم وارثوهم الوصية "

إن مسلسل سقوط الطغاة البلداء قبل ان يستلم وريثهم الوصية، ظاهرة مخيفة، ومع انها كارثة وطنية، فحريقها يبتلع اخضر ويابس الطاغية وعائلته وانتهازيي حزبه وعشيرته وتجعلهم رماداً، لكن الغريب في الأمر ، ان الجهل والبلادة والغرور تمنع هؤلاء من استذكار التجارب المؤلمة وياخذوا الحذر من ردة فعل الملايين الصامتة ويتوهمون غباءً على ان " دار السيد مامونه" .

المحاصصة : هي اخطر واشطر انواع الأستيراث والتوريث الطائفي القومي .. ان تكون رئاسة الوزراء حصة أحزاب الإسلام الشيعي ، ورئاسة الجمهورية حصة الحزبين الكرديين الرئيسين ، ورئاسة مجلس النواب حصة أحزاب الإسلام السني .. فهل هناك ظاهرة أبشع من حالة الأستيراث والتوريث تلك ؟

المضحك ان جميعهم يرفضون ويدينون الطائفية قولاً، بذات الوقت ، جميعهم يمارسوها ويؤدوها كفروض العبادة ، ما يثير الحزن والأسى ، مبادرة السيد وزير العدل بإصدار " مشروع قانون الأحوال الشخصية ( الجعفري ) وقانون القضاء الشرعي ( الجعفري )، فهل هناك اخطر من هذا النفس الطائفي واكثر استفزازاً للآخر ــ ثـم يستنكر ردة فعله ويتهمه بالطائفية ، فأين هو العدل من وزير عدل طائفي حتى العظم ؟ كل مختبئ في صومعة طائفيته ، يخرج منها أحيانا ليرى ويدين طائفية الآخر ، ثم يعود ليختبئ في طائفيته .

أحزاب الإسلام السياسي ، شيعية كانت او سنية ، طائفية دون استثناء ، الأشكال فقط ، نسبة الطائفية صعوداً ونزولاً في نوبات التطرف ، انه بؤس الواقع العراقي في مرحلة التحاصص والتوريث.