1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تكذب إذ تتحدث عن القراصنة

٣ ديسمبر ٢٠٠٩

جون هاري ،ترجمة علي عبد الرزاق

https://p.dw.com/p/KpQO

بعضهم رجال عصابات، و الآخرون يحاولون إيقاف عمليات تلويث المياه و الصيد الجائر.

كيف كان لنا أن نتخيل أنّ حكوماتِ العالم ستضطر لإعلان حربٍ جديدةٍ على القراصنة؟ كما قرأت، فالبحربة الملكية البريطانية، مؤيدةً بسفن أكثر من أربع و عشرينَ أمةً، من الولايات المتحدة حتى الصين تبحر داخل المياه الصومالية لتقبض على رجالٍ ما زلنا نصورهم كببغاءٍ على كتف جلف في مسرحيةٍ إيمائية. سيبدؤون حالاً قتال السفن الصومالية و مطاردة القراصنة إلى اليابسة داخل واحدٍ من أكثر بلدان العالم تمزقاً. لكن خلف الرواية الغريبة هذه تختفي فضيحة لم تروَ. هؤلاء الناس الذين تصفهم حكوماتنا بأنهم "أكثر التهديدات خطورةً في أيامنا" لديهم قصةً شيقةً ليرووها و لديهم بعض الحق إلى جانبهم.

لم يكن القراصنة أبداً كما نتعقد. خلال "العصر الذهبي للقرصنة" من 1650 إلى 1730 كانت فكرة القرصان عديم الأخلاق مثل ذي اللحية الزرقاء و التي مازالت مستمرةً حتى يومنا هذا قد ابتكرت من قبل الحكومة البريطانية في عمل دعائي كبير. الكثير من الناس العاديون كانوا يعتقدون أنها فكرةٌ كاذبة و الكثير من القراصنة كان يتم إنقاذهم من حبل المشنقة من قبل الجماهير المتعاطفة. لماذا؟ ما الذي رأوه مما لا نستطيع رؤيته نحن؟ في كتابه "أجلافٌ من كل الأمم" يتفحص ماركوس ريديكر Marcus Rediker الأدلة.

لو كنت تاجراً أو بحّاراً ملتقطاً من أرصفة ميناء لندن الشرقي و وجدت نفسك آخر المطاف في جحيم خشبي عائم. ستعمل كل الساعات في سفينة رثّة مزدحمة، و إذا تراخيت، سيجلدك القبطان فائق القوة بالسوط. إذا تراخيت من الممكن أن تُرمى في البحر، و غالباً ستجد نفسك بعد كل هذه الشهور محروماً من أجرك.

كان القراصنة أول ناس ثاروا على هذا العالم. لقد تمردوا و أوجدوا طريقةً جديدةً للعمل في البحر. حالما يكون لديهم سفينةً، يختار القراصنة قبطانهم و يتخذون كل قراراتهم جماعياً دون أي تعسف. يقتسمون غنيمتهم عبر ما يسميه ريديكر "واحداً من أكثر أساليب توزيع الثروة التي وجدت في القرن الثامن عشر إنصافاً" كانوا غالباً ما يأخذون العبيد الأفارقة الآبقين و يعيشون معهم على قدم المساواة. "لقد أظهر القراصنة "و بوضوحٍ كاملٍ –و عنفٍ- أنّ السفن لا يجب أن تعود للعمل بالطرق الوحشية و الظالمة في الخدمة التجارية للبحرية الملكية". لذلك كانوا أبطالاً حالمين على الرغم من كونهم لصوصاً غير منتجين.

كلمات أحد القراصنة من العصر الضائع، شابٌ بريطانيٌ اسمه ويليام سكوت (William Scott)، تجد صداها في عصر القرصنة الجديد هذا. قبيل أن يُشنَق في تشارلستون، كارولينا الجنوبية، قال "ما فعلته كان لأتقي الهلاك، أجبرت على القرصنة لأبقى على قيد الحياة" سنة 1991 انهارت الحكومة الصومالية. ملايينها التسعة يعانون المجاعة منذئذ. و قد رأت أبشع القوى الغربية في ذلك فرصةً عظيمةً لتسرق إمدادات البلاد الغذائية و لترميَ النفاياتِ النووية في شواطئها.

نعم: نفايات نووية. حالما غابت الحكومة، راحت سفنٌ أوروبيةٌ غامضةٌ تظهر قبالة الساحل الصومالي، ملقيةً براميل كبيرةً في المحيط. بدأ سكان الساحل معاناة الأمراض. بدايةً راحوا يعانون طفحاً جلدياً غريباً و غثياناً و أطفالاً مشوهين. بعد تسونامي عام 2005 جرفت الأمواج إلى الشاطئ المئاتِ من البراميل الغرقى و المهترئة. راح الناس يعانون من أمراض التلوث الشعاعي و مات أكثر من 300. أخبرني أحمد ولد عبد الله مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال "بعضهم يلقي مواد نووية هنا. هنالك أيضاً رصاص و معادن ثقيلة، كادميوم و زئبق، أو سمها ما شئت" الكثير منها يعود إلى المشافي و المصانع الأوروبية التي تعطيها للمافيا الإيطالية للتخلص منها بتكلفة رخيصة. و حين سألت السيد ولد عبد الله ماذا تفعل الحكومات الأوروبية بذلك، قال بأسفٍ: "لا شيء، ليس هنالك داعٍ للتنظيف، و لا للتعويضات و لا للوقاية"

في نفس الوقت كانت السفن الأوروبية تجوب المياه الصومالية لأجل مواردها العظمى: الأسماك. لقد دمرنا مخزوناتنا من الأسماك بالصيد الجائر و الآن نتحرك باتجاه مخزوناتهم. في كل عام ما يزيد على 300 مليون من التونة والروبيان و جراد البحر تُسرَق عبر حملات الصيد غير القانونية. الصيادون المحليون يعانون. يقول محمد حسين و هو صيادٌ من بلدة مركة الواقعة على 100 كلم جنوب مقديشو لرويتر "إذا لم يُعمَل شيءٌ فإنّه لن يبقى سمكٌ في مياهنا الساحلية".

هذا هو الظرف الذي نشأ فيه القراصنة. أخذ الصيادون الصوماليون قوارب سريعة لإبعاد مغرقي البراميل و الصيادين، أو على الأقل لفرض ضريبةٍ عليهم. يسمون أنفسهم حرس سواحل الصومال المتطوعين، و يوافق الصوماليون العاديون على هذا. موقع الأخبار الصومالي المستقل WardheerNews وجد أن 70% "يدعمون بقوةٍ القرصنة كشكلٍ من أشكال الدفاع الوطني"

كلا، ذلك لا يبرر أخذ الرهائن، من الواضح أنّ بعضهم عصابات، خصوصاً أولئك الذين استولوا على إمدادات برنامج الغذاء العالمي. غير أنّه و في مقابلة هاتفية مع أحد قادة القراصنة، صقل علي قال: "نحن لا نعتبر أنفسنا عصابات بحر، نحن نعتبر أنّ عصاباتِ البحر أولئك الذين يصطادون بغير شرعي و يلقون النفايات في مياهنا" سيفهم ذلك وليام سكوت.

هل نتوقع أن يقف الصوماليون على شواطئهم بشكلٍ سلبي و يجدفون وسط نفاياتنا الملوَّثة، و أن يراقبوننا نستولي أسماكهم لنأكلها في مطاعم باريس و لندن و روما؟ نحن لم نعترض على هاته الجرائم- و ذلك هو الحل العاقل الوحيد لهذه المشكلة- لكن عندما ردّ بعض الصيادين بإعاقة تدفق حوالي 20 بالمئة من إمدادات الزيت العالمية، قمنا ببساطة بإرسال السفن الحربية.

قصة حرب 2009 على القرصنة يختصرها بشكل أفضل قرصانٌ آخر عاش و مات في القرن الرابع قبل الميلاد. اعتُقِل و جيء به إلى الإسكندر الأكبر الذي أراد أن يعرف : "ما الذي يعنيه باستحواذه على البحر؟" ابتسم القرصان و أجاب: "ما الذي تعنيه باستحواذك على كل الأرض؟ غير أنّه و لأنني أقوم بذلك بسفينة صغيرة أُسَمَّى لصاً فيما تسمى إمبراطوراً لأنك تفعل ذلك بأسطولٍ ضخم" مرةً أخرى، يبحر أسطولنا الإمبراطوري الضخم، لكن من هو اللص؟

نشرت بالتعاون مع فريق الترجمة في شبكة العلمانيين العرب