تحفظات على قانون العفو العام
١٧ يناير ٢٠١٣مثل هذا حدث في جنوب إفريقيا والأرجنتين (نموذجان جديران بالدراسة) والكثير من الدول التي خرجت من دوامة النزاعات الداخلية واتجهت إلى إعادة البناء وتأمين الثقة ومد الجسور بين مكوناتها وفئاتها السياسية والدينية والاجتماعية المتقاتلة او المتنافرة.
العفو العام هو إجراء سياسي، قبل ان يكون إجراء قانونيا، لجهة ترسيخ السلام الأهلي على قاعدة طي صفحات الماضي وتحقيق أركان العدالة الانتقالية، وبناء مقدمات دولة المواطنة، وهو الى ذلك عقد اعتباري وحقوقي بين الإطراف المعنية به: السلطة والضحايا والجلادين والموالين والمعارضين والفئات السكانية والاجتماعية على حد سواء.
في بعض الدول المستبدة تعلن السلطات عفوا عاما مغشوشا بهدف خداع العالم والرأي العام لتجهيز انطباع انها تغير من نهجها وتتجه الى نظام العدالة والرحمة والواقعية وإنهاء التنكيل بالمعارضين، وبعضها تعلن العفو العام كفخ لمناهضيها للإيقاع ببعض المطلوبين منهم أو لشق صفوف المعارضة وإضعافها، او التعامل مع المشمولين بالعفو كمذنبين عادوا الى الطاعة، وكل هذه البروفات جربها النظام السابق في العراق حتى صار يصدر العفو العام كلما شعر ان سمعته تتدهور أكثر فأكثر.
"العفو العام ينبغي أن يكون تسبقه تشريعات تاريخية"
وبمعنى ما فان العفو العام ينبغي (لكي يكون راسخا وقابلا للتطبيق والنجاح) أن يكون مسبوقا بإرادة ونيات وتشريعات تاريخية تكون قد سجلت نهاية مرحلة مضطربة ومتوترة وعدوانية وبداية مرحلة أخرى من الشراكة والصفح والبناء والسلام الأهلي والتداول السلمي للسلطة.
العراق، الآن، أحوج ما يكون الى عفو عام، لكن السؤال الاعتراضي الذي يثير أسئلة تفصيلية هو هل سيضمن قانون العفو العام قيد المناقشة في مجلس النواب الانتقال إلى مسار جديد في الحياة السياسية؟
وهل فعلا ستنتهي أعمال العنف، وتتحول الجماعات المسلحة الى تنظيمات مدنية للبناء والشراكة؟
وهل سيخرج المذنبون من السجون إلى مزارع ومواقع العمل والحياة الطبيعية؟
ثم، هل ان أصحاب قانون العفو سيقولون ما كان يقوله نلسون مانديلا: علينا نحن الضحايا ان نتعلم ثقافة العفو قبل غيرنا.
"لا تنتهي جميع الفرضيات الى الهندسة". اقليدس
نشر في جريدة (الاتحاد) ويعاد نشره على موقعنا بموافقة الكاتب