1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تأجيل مظاهرات إلغاء رواتب التقاعد خطوة بالاتجاه الصحيح

علي فاهم ٢٢ أغسطس ٢٠١٣

شهد العراق حملة شعبية واسعة مطالبة بإلغاء رواتب تقاعد البرلمانيين وكبار الموظفين بالإضافة إلى الرئاسات الثلاث والوزراء. لكن تم تأجيل تنظيم المظاهرات لأسباب أمنية، وهذا مايراه الكاتب علي فاهم خطوة صحيحة وصائبة.

https://p.dw.com/p/19Un4
Iraqi security forces inspect the site of a car bomb attack in Nasiriyah city, 375 km (233 miles) south of Baghdad, August 10, 2013. A series of car bombs in mainly Shi'ite areas of Baghdad killed 50 people and wounded 140 on Saturday, in what appeared to be coordinated attacks on people celebrating the end of the Muslim fasting month of Ramadan. REUTERS/Stringer (IRAQ - Tags: CIVIL UNREST)
صورة من: Reuters

لقيت الحملة الشعبية للمطالبة بإلغاء رواتب الوزراء والرئاسات الثلاث ومجالس المحافظات إقبالا كبير في كل المحافظات وفي الوسطين الشعبي والنخبوي حتى وصل الأمر إلى تسابق بعض الكتل والاحزاب إلى محأولة ركوب الموجة وتنافسهم لجر قرص السبق في طرح هذا المشروع اليهم وإن كان في الساحة الاعلامية فقط. وهذا دليل على شدة تأثير الحملة وعدم إمكانية تجاهلها من قبل البرلمان أو الحكومة ولكن يبقى كل هذا غير فعال إن لم تتخذ خطوات جادة تحت قبة البرلمان في طرح مشروع قانون إلغاء تقاعد البرلمانيين وأصحابهم من ذوي الرواتب الفلكية. وكخطوة بارزة باتجاه الضغط على البرلمان والحكومة كانت ورقة التظاهر لرفع المطالب عاليا حتى لا يمكن تجاهلها أو إغفالها أو إغماض العيون عنها، وتسويفها تدريجياً. فهي لا تصب في صالحهم فلو كانت من الامتيازات لرأيناهم يسارعون إلى إقرارها ويتنافسون عليها، و قد حدد يوم 31/8 يوم انطلاق التظاهرات في أغلب المحافظات العراقية وشعارها ومطالبها حددت بمطلب واحد هو إلغاء رواتب تقاعد البرلمانيين والحكومة والرئاسات والدرجات الخاصة ومجالس المحافظات، و تم التحشيد الشعبي والاعلامي لهذا اليوم. و لكن تم اتخاذ قرار تأجيل التظاهر إلى موعد غير محدد من قبل أغلب قيادات اللجان ومن الشخصيات المعروفة التي أطلقت الحملة و أنشأتها منذ البداية وكانت لهم مبرراتهم التي تمحورت حول نقاط ثلاث كانت كفيلة باقناع هولاء بضرورة التأجيل وبقاء العمل في الحملة.

تأجيل المظاهرات لغياب الأمن

النقطة الأولى هو ما طرأ على الواقع العراقي من مستجدات التدهور الأمني الخطير، فكل يوم عشرات المفخخات تحصد أرواح المئات بين قتيل وجريح وفي أغلب المحافظات العراقية حتى التي كانت تعتبر من المحافظات الآمنة فلم يستثني الارهاب مدينة أو منطقة و هو يثبت أنه يستطيع الوصول إلى أي نقطة يختارها، وزمام المبادرة بيد الارهاب لا بأيدي الأجهزة الأمنية رغم ما تبذله هذه الأجهزة من جهود مضنية في هذا المجال من حملات المداهمة والاعتقالات. ولكن يبدو أنها قد أصيبت بنوع من التخمة و الترهل والضعف وخاصة في الجانب الاستخباري، فباتت لا تستطيع مواكبة الخطر وليست بمستوى التحدي أو المواجهة؛ فما بالك بأشغالهم بحماية المتظاهرين وتوفير الأمن لهم. فخروج الجماهير وسط هذه الاجواء يعرضهم لخطر حقيقي لا يتحمل مسؤوليته أحد و خاصة في محافظات الوسط والجنوب التي يستهدف الارهاب فيها التجمعات الجماهيرية لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، فهل من الصحيح أن نقدم أبنائنا على طبق من ذهب لمن يريد أن يتعشى بأجساد العراقيين ويشرب دمهم؟

والنقطة ثانية التي دعت القائمين على الحملة إلى تأجيل التظاهرة هي ظهور مجاميع شبابية وصفحات الكترونية ومجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي تحاول استغلال التظاهرة وتدعو إلى شعارات تختلف عن أهداف الحملة، فدعوا إلى اسقاط الحكومة وحل البرلمان وإلغاء الدستور واسقاط العملية السياسية برمتها ومثل هذه المطالب لا تمت إلى هدف الحملة بصلة، والتي تنحصربالغاء الرواتب التقاعدية للمسؤولين وهذا الهدف هو الذي جذب تعاطف الجماهير بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم وطوائفهم وألوانهم السياسية. أما استغلال التظاهرة باتجاه اسقاط العملية السياسية والذهاب بالبلد إلى الفوضى وفي متاهات لا يعرف لها نهاية ولا يستطيع أحد التحكم بخيوط مسيرتها فهذا خطر يجرنا إلى ما لا يحمد عقباه ولا يوجد عاقل يرضى بأنهيار البلد، وتعطيل المؤسسات واسقاط النظام هذا من جهة، ومن جهة أخرى مجهولية من يدعوا إلى هكذا شعارات فهي عبارة عن صفحات انترنيت ومواقع وأسماء مستعارة و شعارات رنانة ٍ إلا اللهم من يوجد في أجندته اشعال الفتنة والانجرار إلى الاحتراب الداخلي، وهولاء مع الأسف هم وقود محركات التهديم وآليات الفوضى. وقد تعهد المخلصون الذين يريدون انجاح المطالب المشروعة عن طريق التظاهر بأن يمنعوا رفع شعارات مخالفة للمطلب الوحيد آنف الذكر. ولكن كيف يمكن أن تمنع جموع وسط التظاهرات من رفع شعارات أخرى لها أجندة معينة لابد أن يلجأ هولاء إلى القوة فقط في منعهم. وهنا ندخل في صراع وعراك داخل التظاهرات قد تجر المتظاهرين إلى الاشتباك مع هولاء، وهنا لا أحد يعرف كيف ينتهي الاشتباك وهو مجرد حدوثه يعني فشل التظاهرة والالتهاء مع هولاء المندسين والمغمورين والمتعاطفين معهم عن هدف التظاهر الاصلي وربما سيكون مدعاة إلى تدخل قوات الأمن لفض الاشتباكات. وهذه كلها خطوات غير مدروسة النتائج ولا يعلم نهايتها إلا الله.

ركوب الموجة

النقطة الثالثة وهي بروز قوى وتيارات وأحزاب سياسية تحاول ركوب الموجة واستغلال المطالب لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية وإبراز نفسها على الساحة وكأنها هي من يرفع هذه المطالب ويتسابق إلى منصات الاعلام ليطرح نفسه بأنه الفارس المقدام وأنه أول من طالب بها دعا إليها. ولكن مثل هذه المزايدات الاعلامية لا تعبر على الشعب ولا بد للأيام من أن تزيل ورقة التوت عن عورات مدعي الوطنية وحب الشعب والمتباكين على جروحه التي خلفتها سكاكين مصالحهم على مدى السنوات المنصرمة وتحت قبة البرلمان يكرم البرلماني أو يهان.

و أخيراً هناك دائماً أوراق للضغط على البرلمان لإقرار قانون التقاعد الذي يحدد السقف الأعلى لرواتب المتقاعدين في كل مؤسسات الدولة وكلها متاحة أمام الشعب ليصل إلى مبتغاه، فمنها القانونية كرفع الدعأوى في القضاء وهذا ما تقوم به بعض الجماعات ومنها الضغط الاعلامي والسياسي واللقاءات الدورية ومخاطبة البرلمانيين والاتصال بهم مباشرة من قبل ناخبيهم ليطالبوهم بموقف واضح من هذا الموضوع وعقد المؤتمرات الجماهيرية والنخبوية وإبقاء الشعلة متوهجة لحين تحقيق الغاية التي ستثمر ليس عن تحقيق إلغاء رواتب تقاعد البرلمانيين فقط بل الأهم ستثبت أن الشعب العراقي لم يمت ولم تغتاله أي قوة، بل هو قادر على أن يقوَم المعوج بإرادته إن أراد ذلك وأصر عليه.

علي فاهم