1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

النعامة والمأذنة السويسرية

٥ نوفمبر ٢٠٠٩

نظير الساعدي

https://p.dw.com/p/KOuh

لا تندهش فليست المسألة نوعاً جديداً من فن العمارة ولا اعتناقاً من قبل اوربا للاسلام ولكن هو خبر قراءته لمنع بناء المآذن في قارة لا تحتفظ ذاكرتها عن الاسلام الا بما أولجه بوش من صور بعد احداث سبتمبر مستعينا بمجموعة من المتطرفين الذين ألصقوا انفسهم بالاسلام , وهنا تذكرت مبتسما فتوى عن مفتي الديار المصرية الشيخ الدكتور علي جمعة قبيل اعوام والتي اجازت استخدام المآذن كمحطات تقوية لأجهزة النقال (موبايل) ثم انتابني الضحك بعد تذكري لردود الفعل المتناقضة تجاه ذلك الامر بين مؤيد ورافض , لذلك قررت متابعة المسألة.

موضوع منع بناء المآذن في سويسرا يمكن ايجازه في نقاط وكما يلي :

· 1مايو 2007: تقدمت مجموعة من ممثلي التيار اليميني المتشدد داعية إلى تضمين الدستور الفدرالي نصاً يحظر بناء المآذن على التراب السويسري .

· 27أغسطس 2008: وجهت الحكومة الفدرالية رسالة إلى غرفتيْ البرلمان (النواب والشيوخ) عبّرت فيها عن رفضها القاطع واستهجانها لفكرة حظر بناء المآذن في سويسرا، لكنها أوضحت – في الوقت ذاته - أن الطلب لا ينتهك القواعد الأساسية للقانون ، وبالتالي فهو سليم من الناحية القانونية.

· 4 مارس 2009: أوصـــى مجلــــس النواب (129 صوتا مقابل 50 صوتا) برفض هذا الطلب.

· 5 يونيو 2009: أوصى مجلس الشيوخ السويسري (بأغلبية 36 صوتا مقابل 3 أصوات) برفض طلب حظر بناء المآذن في البلاد ، بسبب تعارضه مع مبدئيْ التسامح وحرية الإعتقاد الأساسيين .

· واخيراً تقرر ان يعرض الموضوع على الشعب للتصويت عليه في 29 نوفمبر 2009 وذلك لان اصل الطلب لا يعد خرقا للقواعد الاساسية للقانون .

وهنا يتبادر للذهن سؤال: كيف يحق لمجموعة من الشعب السويسري ان تطالب بتغيير الدستور ولا يعد ذلك خرقا للقواعد الاساسية له ؟؟ .... الجواب بمنتهى البساطة ان القانون يعطي الحق للمواطن السويسري بالمشاركة المباشرة في صياغة الدستور وذلك عن طريق المطالبة بتغييره ولكن يشترط جمع (مائة الف توقيع ) ليأخذ ذلك الطلب مجراه في البحث والمناقشة بل والعرض على الرأي العام للتصويت علـــيه . وهذا نموذج من الديموقراطية اغفلته او تغافلت عنه الدول التي تبنت الديموقراطية مؤخراً (التبنّي غير الانجاب) .

وهنا يجب ان نطرح السؤال التالي : لماذا يتقدم اليمين المتطرف بمثل هذا الطلب ؟ والجواب قد لا يوافق آراء البعض ممن ينفون نظرية المؤامرة نفياً مبرماً , أمّا أنا فاعتقد ان هنالك تخطيط مبرمج ضد الاسلام , فكل ذي لب يعلم ان الهدف من هذه المسألة مثلاً ليس المئذنة حتى ان الحكومة السويسرية ومجلسيها استهجنت الموضوع كونه يمس طائفة بعينها وهذا ما جاء بتعليل رفض الطلب من قبل مجلس الشيوخ : (بسبب تعارضه مع مبدئيْ التسامح وحرية الإعتقاد الأساسيين ) , وكما نلاحظ ان الغالبية الواعية في سويسرا - واتمنى القول في اوربا ايضاً - تنظر للجالية المسلمة نظرتها لاي جالية اخرى تعيش على اراضيها وبشكل موضوعي والى هذه اللحظة , اذن من هو صاحب المؤامرة ؟ ان صاحب المؤامرة مؤسسات في غاية الصغر تعمل في الظل ترمي بمخططاتها هنا وهناك عسى ان تحقق انجازاً وقد نجحت في بعض الدول الاوربية كما في الدنيمارك او فرنسا , ولكنها اصطدمت بالوعي السويسري والتأني بالتفكير المشهور به السويسريون .

اليمين المتطرف الذي هو اداة من ادوات المؤامرة وبعد ان يأس من اقناع النخبة السياسية السويسرية , لم يبق أمامه الّا الجماهير ولكن السؤال : كيف سيبرر طلبه هذا امام الشعب السويسري في هذه المسالة ؟

الجواب وللاسف هو ان هناك اداة فاعلة وقوية من ادوات المؤامرة بل وتعد الاقوى على الاطلاق تم استخدامها وبشكل فاعل , الا وهي ما خلّفه المسلمون من صورة لدى الاوربيين عن الاسلام , نعم .. فنحن الاداة الاقوى للمؤامرة على الاسلام , فمن خلال الافكار الرثة المتبناة التي جاء بها فلان وفلان ممن لا يعرف لهم نسب فكري , تحول المسلم الهش البش الرحوم المتسامح الخلاق الى لحية كثة تتدلى الى السرة وجلباب قصير يتراقص بين الركبة والقدم ووجه عابس يرعب الصغير ويستفز الكبير ولا يتحدث الا عن التكفير والخروج عن الملة ويتلفت يمناً وشمالاً عند دخوله المسجد في المدن الاوربية وكأنه ضمن خلية لحزب نازي , نعم هذه هي الصورة ولو رسمناها ثم خلطناها بين الف صورة غيرها وطلبنا من طفل اوربي ان يشير بيده لصورة المسلم لما اختار سواها , لقد اصبحنا آفة تنخر هذا الدين , لقد اهنّا الرسول اكثر مما اهانه راسمو الكاركتير في الدنيمارك , أمسينا شياطــين يلعــنها القرآن اكثر مما يلـعن كاتب الآيات الشيطانية , فماذا قدمنا للانسانية والتمدن ؟! ما هي انجازاتنا في زمن التطور الكبير ؟! نعم انا لا ابخس حق الآخرين فابتكار اللغم البشري سبق علمي اثار دهشة الجميع خصوصاً عندما يأتي رداً على من يخالفنا بالفكر وخصوصاً عندما يكون تعبيراً عن الامتثال للنص القرآني:\{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ \} ماذا قدمنا للمجتمع الاوربي من ايضاح عن الاسلام ؟! ماذا قدمنا لهذا المجتمع المتقبل للافكار المنطقية من نماذج للمرآة المسلمة ؟! فالعالم الغربي يجهل ابسط الامور عن الاسلام وقد اندهشت عند قراءتي لعبارة لوزيرة العدل والشرطة السويسرية اذ تقول : ( لاتسمح دولة القانون لدينا بختان الإناث ) هذه الشخصية السياسية المؤيدة للجالية الاسلامية في موضوع المئذنة , لا تعلم ان 99% من المسلمين يستهجنون ختان الإناث ولا يسمحون به , بل ان غالبية البلدان الاسلامية لا تعرف هذا الامر , وهي عادة موروثة من الزمن الوثني الذي سبق الاسلام في بعض القرى الافريقية واستمر البعض بالعمل به في تلك المجاهل .

وهذه صورة واضحة عن تقصيرنا في اظهار الوجه الحقيقي والرائع للاسلام , هل يعلم الغرب بان الجنة تحت أقدام الامهات ؟!هل يعلم بحقوق الزوجة المسلمة حتى انه يحق لها المطالبة بأجر على إرضاع وليدها وهذا ما لا تجده في كل دساتير العالم , كما ويحق لها ان تكون صاحبة القرار في مسألة الطلاق , وهل يعلم الغرب نظرة الاسلام عن الجار ؟! وهل يعلم بنظرية الاسلام في الحقوق بل وحتى حقوق الحيوان - ان رجلاً دخل الجنة بكلب وامرآة دخلت النار بقطة , و ... و... مئات المفاهيم السامية التي جاء بها الاسلام والتي اشاد بها المطلعون من مفكري الغرب , لم نستطع ان نوصلها لهذا العالم الذي لا يضع قيوداً على فكره كما وضعنا .

في هذا الموضوع هنالك أمور تضحك وربما تبكي وذلك حسب الزاوية التي ننظر من خلالها للوقائع , من مثل :

· الطلب تقدم به سويسريون ,والرفض والاستهجان جاء سويسرياً ايضاً (لا اقل حكومياً) بينما لا نرى للجالية المسلمة في سويسرا التي لايوجد من يمثلها بشكل قانوني ( منتخب) أي رد او توضيح او طلب بخصوص الامر حتى أثار صمتهم دهشة الجهات الرسمية التي كانت تتوقع ان المسلمين هنا وبعد سنوات الاندماج في المجتمع الديموقراطي تعلموا كيف يدافعون عن حقوقهم بالآليات القانونية المتاحة , حتى وصف موقفهم بـ (جاءت المواقف الاسلامية باهتةً وضعيفة والى حد كبير مثيرة للخيبة) مما دفع الحزب الاشتراكي والحزب الراديكالي للاعلان عن عزمهم باطلاق حملة لاقناع السويسريين برفض طلب منع بناء المآذن , ما دامت الجالية المسلمة تمارس اسلوب النعامة في الاختباء لعلها تستشعر الأمان بعد فرارها من بلدان المآذن .

· ان هذه الجلبة والاخذ والرد والتأييد والنقض والتي أخذت ما أخذت من الوقت تعطي انطباعاً بان عدد المآذن في سويسرا قد تجاوز المائة , ولكن خيبة الامل الكبيرة هي عندما نعلم ان عدد المآذن في هذا البلد لا يتجاوز الاربعة نعم اربع مآذن فقط صدق او لا تصدق , كما وان هذه المآذن المطأطأة القامة فقدت العلة الغائية لوجودها فهي صامتة ممنوعة من النطق , كما انها افتقرت بسبب حيائها لجماليات فن العمارة الذي ارتبط اسمها به , فالمئذنة هنا مدخنة نحيفة لكوخ فقير تعطل موقده منذ زمن بعيد .