1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الطائفية في اللغة

عبد المنعم الاعسم٢٨ مارس ٢٠١٣

يرى عبد المنعم الاعسم انه قد صار لكل فريق طائفي لغته وإيماءاته وتأويلاته وأدبه الفقهي–السياسي .وهذا يتجه بالمراقب من العام المتفق عليه الى الخاص المختلف فيه لكن عبر إنشاءات شديدة التعرج.

https://p.dw.com/p/186Mv
صورة من: AZHAR SHALLAL/AFP/Getty Images

للطائفية لغة خاصة بها. لغة مخاتلة. زئبقية. متآمرة. مشحونة بالتأليب والغل والتعبئة ضد الآخر، لكن بمفردات وعبارات تفيض بالرحمة المغشوشة، والموضوعية الشكلية، وبالاستطرادات المنتقاة بعناية من محضر الانشقاق السياسي الذي عصف بالخلافة والدولة والإدارات الإسلامية المتعاقبة.

الأكثر دقة، انه صار لكل فريق طائفي لغته وإيماءاته وتأويلاته وأدبه الفقهي–السياسي . يتجه بك من العام المتفق عليه(او هكذا يبدو) الى الخاص المختلف فيه (وهو المهم) لكن عبر إنشاءات شديدة التعرج، لنكتشف في النهاية ان (العام) الديني لم يكن عاما، بل ديباجة افتتاحية لحشوة (الخاص) الطائفي ألاستئصالي.

اللغة الطائفية ليس سوى جملة تتخذ من الدين رداء (أو هوية) لها.. جملة متكلفة البناء، مشوّهة العرض، متضاربة الترجيع والتنصيص. الآخر بالنسبة لفريق طائفي موضع اتهام بالخطل، وهو شخص ما، أو جهة، لا يريدان الاعتراف بالحقائق المدعومة بالآيات القرآنية الموثقة، وبالأحاديث المتفق عليها. والآخر، نفسه، قد يبدو (لفريق آخر) فكرة مشيدة على الضلال والبُدَع والانحراف والجهالة.

تاريخ واحد أم تاريخين

قد تلجأ الجملة الطائفية الى تسفيه الآخر بواسطة تسفيه طريقة تفكيره، او طريقة التعبير عن قناعاته. تقول لنا: انظروا لهم كيف يجمعون حججهم من قمامات الكتب..أو: كيف يتعاملون مع الدين المشترك.. انهم يسيئون له.

في هذه الجملة لا يبدو الحق (في بعده الطائفي) إلا بوجه واحد، نهائي، شامخ، لا يطاله الشك، ولا يصمد أمامه اعتراض، وهو هنا يساجل اضعف حجج الآخر لتدعيم منظوره الطائفي، وليس أقواها آو أكثرها قربا للمنطق، ويعكف على ليّ المعاني لتتطابق مع مسطح التحريض السياسي.

الفقه في خدمة المشروع السياسي للطائفية، والسياسة في خدمة المشروع الطائفي للفقه. شيء من الفقه و شيء من السياسة في نسق طائفي.

أما التاريخ فانه يبدأ في المساجلات تاريخا واحدا، مدرسيا، لجميع المسلمين لكن سرعان ما يفترق، على يد الجملة الطائفية، إلى تاريخين (والدين إلى دينين) يخطئ كل منهما الآخر، إذ تقوم هذه الجملة بواجبها في إنتاج البضاعة الطائفية، وفي تدعيم الحجج المتقابلة، من خلال مبان لا أركان لها، ومعان لا أوتاد فيها.

اللغة الطائفية، المعاصرة، بحاجة الى معاينة كيميائية، معرفية، معملية، استقصائية، فهي اخطر من الطائفية، نفسها.