1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الصين: الأمل في الحوار

٨ ديسمبر ٢٠٠٩

يقوم "إساك ماو" أحد رواد الإنترنت في الصين، ومؤسس أول مؤتمر للمدونين الصينيين في شنغهاي، يصف ميزات وظروف عمل المدونات في هذا البلد الذي يمارس رقابة شديدة عليها.

https://p.dw.com/p/KxKL
إساك ماو أحد أشهر المدونين في الصينصورة من: cc-Christopher Adams 2.0

من خلال ترجمته لكتاب "بيينغ ديجتال Being Digital" لنيكولاس نيغروبنتي، استطاع "هو يونغ"، أحد رواد الإنترنت والأستاذ في معهد الإعلام والاتصال في جامعة بكين، جذب الكثير من الشباب لاكتشاف الإنترنت.

عندما انطلق موقع cnblog.org في أكتوبر/تشرين الأول 2002 بمقال "جذب المزيد من المدونين – يجب أن يكون في الصين آلاف المدونين"، لم يكن من المتوقع أن تتحول هذه الأمنية إلى حقيقة. في ذلك العام لم يتجاوز عدد المدونين في الصين ألف مدون، بينما تجاوز العدد 100 ألف في عام 2003، وفي عام 2004 فاق على 300 ألف مدون. ووصل عددهم عام 2005 إلى حوالي المليون.

حمل مؤتمر المدونات الصينية الأول الذي عقد في شنغهاي عام 2005 شعار "Everybody is somebody"، ومنذ ذلك الوقت تطور هذا المؤتمر ليتحول إلى رمز للحركة من قبل القاعدة الشعبية. وقد أعطت استثمارات الشركات ورجال الأعمال دفعة قوية للمبتدئين. وبعد دخول أسماء كبيرة إلى لسوق مثل نيتايس Netease وسينا Sina وسوهو Sohu وغيرها خسر المدونون أسطورة الجديد وتحولوا إلى الرأي العام. واليوم يُحدّث الملايين الصين مدوناتهم بشكل يومي.

المدونات للجميع

مع تنامي شهرة مدونات في أوساط المتصفحين، ازداد تأثيرها على المجتمع. تقدم هذه الوسيلة البسيطة المعارف للمتصفحين حول إمكانات الإنترنت، وتشكل بمثابة منصة لحرية الرأي. قبل عام 2004 ركز المتصفحون على بعض الرواد في عالم الإنترنت. غير أن توجه كتّاب الأدب الشعبي أمثال "موزي Muzi" إلى التدوين أضحت المدونات محط أنظار الجمهور، وتحولت إلى عنوان للمدونات اليومية الإلكترونية.

في الكثير من القطاعات رسخ المدونون مكانتهم، وأصبحوا يحددون اتجاهات التطور. على سبيل المثال في عالم تقنية المعلومات يحظى "كيسو Keso" باهتمام مجموعة كبيرة على ضوء تحليلاته العميقة. كما أعطت مداخلات المشاهير القصيرة في المدونات للجمهور إمكانية التعرف على شخصيات النجوم من جوانب مختلفة، ولذا أصبحت مدونة "سينا بلوك Sina-Blog" لكسو جينكلاي Xu Jinglei" الأشهر على المستوى الشخصي. ويعتبر الصحفي وانغ كسابفنغ من أول المدونين، وشدت رسائله المستفزة مجموعات كبيرة من القراء، وكسبت تأثيراً أكبر في وسائل الإعلام التقليدية.

الكثير من المشجعين يقتدون بالمشاهير كمثلهم الأعلى، ويبدؤون مشاركة الآخرين بمعارفهم وآرائهم وحياتهم الشخصية من خلال الإنترنت. وأدت هذه العفوية في عام 2002 إلى تغير كبير. قبل ذلك كان النقاش متاحاً عبر المنتديات ومن خلال بعض المواقع، وكان على المرء الالتزام بقواعد التعليق على ما تنشره مواقع وسائل الإعلام المعروفة.

أما اليوم فقد أصبحت المدونات ذاتها مصدراً هاماً للأخبار. وبذلك قدمت ما تسمى الصحافة الشعبية روافد جديدة لعالم الإعلام.منذ عام 2006 يقوم المدون "زهو شوجوانغ Zhou Shuguang" (عضو هيئة تحكيم البوبس عام 2008)، أو المدون "لاوهوميا وLaohumiao" بشد انتباه المعنيين. يقوم كل منهما وبشكل مستقل بكتابة التقارير حول أحداث تشمل كافة أنحاء البلاد. ورغم النقد الموجه للصحافة الشعبية التي ما تزال في مرحلة التطور، إلا أن بإمكانها الإشارة إلى نقاط الضعف في الصحافة الصينية.

إعلام جديد – ثقة جديدة بالنفس

ما يزال لدى معظم الناس في الصين وعي جماعي بالذات عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير عن الرأي، وهذا يعني أن الكثيرين يتوقون للانضمام إلى مجموعة متجانسة الأفكار. حتى على صعيد كتابة المدونات يسري مبدأ "إتباع رأي الأغلبية" في الثقافة الصينية. لكن المدونات تبقى مخرجاً للمبادرات الفردية، فمقارنة مع الوعي الجماعي للمجتمع يساهم وعي الجماعات الصغيرة بشكل أقوى في زيادة أهمية التنوع.

وبالفعل تلقى المبادرات الفردية دعماً وحماية أكبر في المجموعات الصغيرة؛ ويمكن للروح الفردية أن تنتشر بسهولة. وهذه نقطة مهمة في الصين، لاسيما عندما يُعاقب أشخاص من قبل النظام الرقابي، عندها تقوم المجموعة بطريقة ما بدعمهم. ومن هنا فإن مهمة المدونة في الصين تتمثل في إيجاد أصدقاء لديهم نفس الاهتمامات. إذ يمكن من خلال مدونات الآخرين إيجاد أصدقاء لديهم نفس الأفكار والأمنيات.

الرقابة من قبل السلطات

لم تتوقف الجهات الصينية المسؤولة عن مراقبة الرأي العام. وبدلاً من أن تعترف السلطات بتنوع المجتمع على الصعيد الفردي، تقوم هذه الجهات بتدقيق نظام الرقابة على شركات الإنترنت وبنيتها التحتية. فإلى جانب "الجدار العظيم العازل Great Firewall"، قامت ببناء نظام رقابة منيع لشركات الإنترنت في مختلف أقسام الإدارة.

وفي عام 2006 تم استحداث نظام تسجيل بحجة مكافحة الجريمة، يجبر هذا النظام كل موقع يتبع لدومين مستقل التسجيل لدى وزارة الإعلام. وبعد موافقة الوزارة يُسمح بفتح الموقع. لكن هذه الطريقة لم تكن مجدية، خاصة وأن الجريمة عبر الإنترنت لم تنخفض، بدلا من ذلك تراجعت حرية الرأي والتعبير.

ومن الإجراءات الأخرى مطالبة السلطات للشركات بممارسة الرقابة الذاتية. تواجه مواقع إنترنت لم تتخصص بالشأن السياسي مثل "تيانيا Tianya" و "دوبان Douban" غالبا نقد المتصفحين على أساس أنهما تمارسان النقد الذاتي. كما ان شركات عالمية معروفة مثل جوجل، ومايكروسوفت، وياهو سلكت سلوكا مشابها. أما المتصفحين فعليهم إيجاد حل وسط، لاسيما وأنهم أمام مأزق صعب: فمن جهة لا يريدون دعم الرقابة الذاتية للشركات، ومن جهة أخرى ليس لدي هم رغبة بالاستغناء عن خدمات هذه الشركات.

وحسب ريبيكا ماكينون، الخبيرة الصينية والمراسلة السابقة لـ سي ن ن تمارس مختلف المدونات الصينية الرقابة الذاتية. وفي هذا الإطار تستبدل بعضها كلمات أو مصلحات رئيسية مثل "هو جينتاو" من خلال "هو**". وفيما عدا ذلك يمكن تعرض مقاطع المدونات التي تتضمن هذه الكلمات أو المصطلحات بشكل كامل لحذف، وقد يصل الأمر إلى حجب الموقع بكامله. تم حجب ويكيبيديا في الصين لمدة سنتين، لأن القائمين عليها ينبعوا طريق الحل الوسط. كما ان "سهي زهاو Shi Zhao" رئيس النسخة الصينية من ويكيبيديا ليس بقادر على عمل شيء. أما جيمي ويليس مؤسسة شبكة ويكيبيديا فأوضح قائلا: "عندما يقوم الصينيون بإلغاء نظام الرقابة، سيعرف المتصفحون قيمة الجهود التي تقوم بها الشبكة، إن شركات مثل جوجل لن تتمكن من كسب ثقة المتصفحين". غير أن القبول بحل وسط يبدو الطريق الوحيد أمام شركات الإنترنت في الوقت الحاضر للبقاء والحفاظ على مواقعها في السوق الصينية.

تخطي الرقابة عن طريق تعابير مثل صلصة الصويا وحفنة من السلطعون

أصبحت الرقابة وتجاوزها شبيهة بلعبة القط والفأر في الصين. يمكن لدوائر الرقابة كما تدعي مراقبة الإنترنت بطرق شرعية، كما يمكنها الضغط على الشركات وتهديد مستخدمي الإنترنت، مع أنه ليس لها الحق فعليا في ذلك. وعلى ضوء ذلك يبقى أمام مستخدمي الإنترنت إمكانيتين فقط: إما أن يقوموا بالرقابة الذاتية وتحجيم تفكيرهم الحر، أو يقومون بتغيير طريقتهم في التعبير.

اختار الكثيرون بشكل متزايد الطريقة الثانية. قاموا باستحداث الكلمات الجديدة لتجنب ملاحقات الدوائر. ومن الأمثلة على ذلك: "أجلب صلصة الصويا"، وهي تعني عدم الاهتمام بالأحداث الاجتماعية- أو أن الأمر يبدو كذلك. أما "تمارين الضغط" فالمقصود بها حالات وفاة غير طبيعية. ومن أشهر المصطلحات "سلطعان البحر" التي تلفظ بالصينية "هي كسي" وتعني الانسجام.، وكذلك "لاما" وتدل على شتيمة وتعني "نكاح". تدلل الأولى على نظام الرقابة، بينما يشير المصطلح الثاني إلى استراتيجيات وطرق تجنب الرقابة.

من تبادل الأفكار إلى النشاط

يتجه التعرّف على الرأي العام عبر الإنترنت بشكل متزايد إلى أنشطة خارج الشبكة العنكبوتية وداخلها. فمثلاً انطلقت في يوليو/تموز 2009 حملة "فينغ" التي دعت لإرسال بطاقات بريدية إلى سجن التحقيق، حيث كان يُعتقل المدون "جوو باوفنغ". وأدت هذه المبادرة إلى إطلاق سراح باوفنغ بعد أسبوعين من اعتقاله. وبعدها قام كثير من المحامين أمثال ليو كسيايان (فائز بجائزة هيئة التحكيم الخاصة بالبوبس عام 2009) بنشر تحاليل وتقارير في مدوناتهم عن الأوضاع القانونية، وخاطروا بذلك مما أدى إلى إغلاق مكاتبهم.

وقبل فترة تم نشر ترجمة البروفيسور "هو يونغ" لكتاب "كل شخص يأتي إلى هنا Here Comes Everybody"، ولاقت اهتماماً كبيرا. فعلى عكس كتاب "ديجتال بيينغ Being Digital" قام البروفيسور يونغ بنشر دعاية الكتاب الثاني عبر الشبكات الاجتماعية بدلا من الدعاية عبر وسائل الإعلام التقليدية. وفي هذه الشبكات قوبلت الترجمة بحماس، كما تم انتقادها وتقديم اقتراحات لتحسينها. وقاد هو بالرد على ذلك عبر مدونته. ويمكنه الآن على خلاف كتابه الأول قبل 12 عاماً، التواصل مع المستخدمين، خاصة وأن النشاط عبر الإنترنت أضحى عملية حوار يمكن للمتصفحين المشاركة فيها بفعالية هذه الأيام. وقد يكون هذا هو الأمل للصين.

يعد إساك ماو أحد أشهر المدونين في الصين، وأحد المنظمين لأول مؤتمر للمدونين في شنغهاي عام 2005. ويعمل ماو في تطوير البرامج والبحوث الاجتماعية. كما انه مدير الشبكة الاجتماعية "س.بي.ف SPF"، وعضو في العديد من مؤسسات الإنترنت. وقد انتقد في كثير من المناسبات وبشكل جريء الرقابة في الصين وكتاب رسالة مفتوحة إلى مؤسسي جوجل بهذا الخصوص.

الكاتب: إساك ماو/ زاهي علاوي

مراجعة: ابراهيم محمد