1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الدكتاتورية سقطت، الدكتاتورية لا تزال

عبد المنعم الاعسم١٠ أكتوبر ٢٠١٣

يرى عبد المنعم الاعسم أنّ استمرار الميل الى "منطق" ولغة وسياسات صدام حسين من قبل المعارضين السابقين الذين يديرون شؤون الدولة الجديدة ، وأيضا بالنسبة إلى جمهور من الضحايا السابقين يمثل أكثر من خيبة أمل.

https://p.dw.com/p/19xFz
FILE - A U.S. Marine watches a statue of Saddam Hussein being toppled in Firdaus Square in downtown Baghdad on April 9, 2003 file photo. (AP Photo/Jerome Delay, File)
صورة من: picture alliance/AP Photo

وذا ليس فقط امر من مضاعفات خيبة الأمل حيال حلم التغيير أو رد الفعل على اضطراب الاوضاع وعلى الخلل الذي يضرب مفاصل الإدارة وقيم الوظيفة والشعور بالأمن، بل هو ايضا اشتقاق من الأثر السايكولوجي العميق لحقبة الدكتاتورية في الوجدان الجمعي للضحايا، وسيبقى هذا الميل قائما ومُعبرا عنه بأشكال مختلفة، طالما يوضع في خانة "المسكوت عنه".

في التجارب التي سبقت الحالة العراقية عكف المحللون الاجتماعيون على بحث مخاطر الآثار التي تتركها الدكتاتوريات في سلوك الأجيال التي عاشت الأهوال تحت حكم القمع الطويل ومصادرة الحريات، وبين أيدينا نماذج من الدراسات والحلول القيمة من الأرجنتين وجنوب أفريقيا واسبانيا، والكثير منها أنتج معارف طبية تطبيقية جديدة لمعالجة الضحايا والحيلولة دون ان يمارسوا حياتهم تحت تأثير تلك الحقب السوداء، والاهم دون أن يعاد إنتاج ثقافة الدكتاتورية المهزومة.

وقبل تلك التجارب بعقود طويلة كانت تجريدات التأثر بالبيئة الضاغطة موضع دراسة طليعية من قبل العالم البايالوجي الروسي إيفان بافلوف في القرنالتاسع عشر ونال عنها جائزة نوبل العام 1904 وتقوم على رصد تفاعل الإنسان، والحيوانأيضا، مع التأثيرات الضاغطة واستمرار هذا التفاعل مع غياب مصادرالتأثير وأشكالها (سقوط الدكتاتورية) وكانت تجارب بافلوف على الفئران والكلاب في غاية الاهمية حولتحول المنعكس الشرطي (المظالم) بالتكرار لسنوات طويلة الى منعكس لا شرطي حيثيثير غضب الضحية حالما يتذكر المظالم مرة اخرى، وقد يقع في حالة الإعجاب الخفي بها.
لكن أبي حامد الغزاليصاحب (تهافت الفلاسفة) لحظ في إحدى بحوثه طغيان (الروح الخيالي) لدى الإنسانمستشهدا بالكلب الذي يهرب بعيدا كلما رأى العصا إذا كان يضرب بها في السابقباستمرار، ما يبقي هاجس الألم قائما في اللاشعور حتى مع ابتعاد خطرالعقاب، وقد اعتبر رد الفعل هذا بمثابة حشوة لنظرية ابن خلدون عن لجوء الضحية في حالات معينة إلى الإعجاب بجلاده.
وفي انتباهه لرسول حمزاتوف، يقول، ان أبناء قريته في أقاصي داغستانكانوا قد هجروا نبعا من الماء كان قد شهد مذبحة لعشرين من نسائهم، وكان الجيلالثالث من أبنائهم يرتعبون ذعرا كلما مروا بالنبع، وكان كثير منهم يضطرون للمشييومين بدل ان يسلكوا الطريق عبر النبع مخافة أن يتذكروا بشاعة المجزرة، وقبلسنوات قليلة قال مراسل أجنبي كان قد التقى العشرات من العراقيين وتحدث إليهم عنمستقبل بلادهم، إن الناس هنا لم يخرجوا بعدُ من الكوابيس، وهم يتصرفون كما لو أنهمفي زنزانات.. وكدت أعد هذه الصورة فرطا من المبالغة، لولا أن بافلوف والغزاليوحمزاتوف سبقوا المراسل، إلى تأويل ما تتركه القسوة في الأعماق.

الدراسات الحديثة عن أثار الحقب الدكتاتورية على الشعوب تحذر من ميلين خطرين، أولهما، الاستمرار بالخوف من شبح الجلاد ، كما لو انه لا يزال حاكما، وثانيهما، الانحراف إلى الإعجاب الخفي بالجلاد، كما لو انه كان بريئا.

*******

" من أَسْرَعَ إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون".

الأحنف بن قيس- صحابي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في وقت واحد في صحيفتي (الاتحاد) و (طريق الشعب) وينشر على صفحتنا بالاتفاق مع الكاتب