1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم مجدداً

عبد الخالق حسين٢٧ سبتمبر ٢٠١٣

يرى د.عبد الخالق حسين أن الجناة لم يكتفوا باغتيال الزعيم في حياته فحسب، بل استمرت محاولاتهم حتى بعد مصرعه، لحرمانه حتى من قبر من أرض العراق الواسعة التي ضحى بحياته في سبيلها وشعبها.

https://p.dw.com/p/19otK
صورة من: picture-alliance/dpa

في رأيي ورأي كل محبي الزعيم أن قرار إلغاء صفة شهيد عن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم هو محاولة أخرى لاغتياله، لأنهم يسعون إلى سرقة الشهيد حتى تضحياته من أجل الوطن الذي أحبه وأحب شعبه، وبالأخص الفقراء منهم الذين بادلوه الحب والوفاء، لذلك لقب بأبي الفقراء. وليس غريباً أن يصدر هكذا قرار مجحف من جهات حاقدة وفاسدة، لأن الزعيم كان يمثل رمزاً للنزاهة والوطنية وحب الشعب، إذ لا يمكن أن يلتقي الضدان، فالنزاهة والوطنية أصبحتا اليوم من العملات النادرة. وحتى اعتاد كثير من الكتاب وحتى ممن ناهضه في حياته، على مقارنة تضحيات الزعيم قاسم ونزاهته بما يجري اليوم من سرقات لأموال الشعب تحت وضح النهار، بل ويسنوا لها قوانين ليضفوا الشرعية على ينهبونه والفرهود العلني على شكل رواتب خيالية وسرقات أراضي بأسعار بخسة، وعشرات الامتيازات الأخرى. فهؤلاء لا بد وأن يحقدوا على أنزه زعيم لأن مجرد ذكره يفضحهم ويقض عليهم مضاجعهم.

خبر لا يصدق

أول ما قرأت الخبر لم أصدقه لهوله وفضاعته، وبشاعته ولا معقوليته، ولأني كنت أعتقد أنه ليس في العراق شخص يتمتع بأدنى حد من الحس الوطني والإنساني، ولديه ذرة من الشرف والكرامة، أن يتجرأ بإصدار مثل هذا القرار السخيف، والذي من شأنه أن يخلق المزيد من المشاكل ضد الحكومة التي لا تنقصها مشاكل ولا أعداء أو معارضون. فقلت في نفسي ربما هذا الخبر هو الآخر ملفق، وهو إشاعة من إنتاج مختبرات ومصانع البعث، والتي أحتفظ بقائمة طويلة منها، بقصد بلبلة الشارع العراقي، وتشويه سمعة الحكومة.

ولكن الكارثة أن جاء التأكيد من الصديق العزيز الأستاذ عبد الكريم مهدي الصراف، وهو وطني شريف، وصحفي نزيه، ورئيس تحرير (صحيفة 14 تموز) البغدادية، ذات المصداقية العالية، وانتشار واسع في العراق. ثم أخذت عناوين الخبر تظهر في الصحف وعلى مواقع الانترنت مثل: (إغتيال جديد لأبي الفقراء... مؤسسة الشهداء: عبد الكريم قاسم ليس شهيداً) في صحيفة الصباح الجديد، وموقع الأخبار، وعنوان آخر: (اللجنة الخاصة في مؤسسة الشهداء تلغي اعتبار (عبد الكريم قاسم) «شهيداً» وتعده «متوفياً»).

إذن الخبر صحيح، فما هذا الهذيان؟ وهل بلغ الجنون بأعضاء اللجنة الخاصة في مؤسسة الشهداء إلى هذا الحد الانتحاري لسمعتهم ومكانتهم السياسية والاجتماعية؟

قالوا "لو عرف السبب لبطل العجب!". لو عرفنا تعقيدات الوضع العراقي وما يجري من صراعات بين مختلف الجهات المتصارعة على السلطة والمال والنفوذ، وحتى من داخل التحالف الواحد، فلن نستغرب من صدور هكذا قرار قره قوشي.

من المستفيد من هذا القرار؟

والسؤال الذي يجب أن نطرحه هو: من المستفيد من هذا القرار؟

الجواب واضح: هم خصوم النظام الجديد، وبالأخص أعداء رئيس الوزراء نوري المالكي، لأن الذين نشروا الخبر قالوا أن اللجنة الخاصة في مؤسسة الشهداء مرتبطة برئاسة الوزارة، ليعطوا إنطباعاً أن القرار صدر بموافقة رئيس الوزراء أو على الأقل بعلمه!. ولذلك فالمستهدف من هذا القرار هو ليس الشهيد الخالد الزعيم عبدالكريم قاسم فحسب، بل هو السيد نوري المالكي بالأساس، وذلك لإثارة سخط الشعب عليه وعزله جماهيرياً. فالزعيم قاسم يتمتع بشعبية واسعة، ويعيش في وجدان الشعب، ولا يحتاج إلى شهادة من أحد ليثبت أنه قتل شهيداً لوطنيته على يد عصابات البعث الغادر يوم 9 شباط 1963 الأسود. فإذا لم يعتبر هذا الرجل الشريف شهيداً للوطنية العراقية فما هي صفات الشهادة من أجل الشعب والوطن؟

والسؤال الآخر هو: هل انتهت الحكومة من حل المشاكل الكبرى التي يعاني منها الشعب مثل الإرهاب والفساد، والبطالة، وأزمة السكن، وتفشي الجريمة المنظمة...الخ، وهل ينقصها أعداء ومعارضون، ولم يبق لديها أي شيء آخر غير إصدار مثل هذا القرار المجحف والمثير للسخط الشعبي الواسع؟ وضد من؟ ضد أنزه زعيم عرفه تاريخ العراق الحديث ويتمتع بأوسع شعبية.

من وراء هذا القرار؟

إذا ما راجعنا الأحداث خلال ثورة 14 تموز وما بعدها لاستطعنا معرفة من هو وراء هذا القرار. إذ يعرف الجميع أن الزعيم قاسم كان قد أنصف ملايين الفقراء الذين فروا من ظلم شيوخ الاقطاع في الأرياف، وخاصة في الوسط والجنوب، وعاشوا على أطراف بغداد، خلف السدة والشاكرية وغيرهما، في حياة بدائية بائسة، فأنصفهم الزعيم، وبنى لهم مدينة الثورة وأحياء سكنية أخرى مثل حي القاهرة وحي جميلة والنور وغيرها كثير. كما وحاول القضاء على الطائفية، الموروث التركي العثماني الذي تبناه الآباء المؤسسون للدولة العراقية الحديثة من بقايا الأتراك الذين استعربوا وستعرقوا ولكنهم بقوا حريصين على إبقاء الموروث التركي الطائفي. لذلك سارع الطائفيون فانقلبوا عليه واغتالوه واغتالوا مشروعه الوطني في انقلابهم الدموي يوم 8 شباط 1963 الأسود.

وقد حاول الزعيم إصدار أكثر ما يمكن من قوانين حضارية تقدمية خلال حكمه القصير، من أجل إنصاف الجماهير الفقيرة الواسعة، والتعجيل بالتقدم الحضاري في سباق مع الزمن، ومن هذه القوانين: قانون الإصلاح الزراعي، قانون إلغاء حكم العشائر، قانون رقم 80 الذي استرجع بموجبه 99% من أراضي العراق من الشركات النفطية الأجنبية، وأهم قانون أثار سخط الرجعيين ورجال الدين هو قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي أنصف به المرأة التي تشكل 50% من الشعب العراقي، فساواها بالرجل في حقوق الإرث والشهادة في المحاكم وغيرها.

كان أعداء الثورة يتربصون بالعراق شراً، وكما الآن، راحوا يستغلون كل فرصة للقضاء على الثورة العراقية لإعادة الحصان الجامح إلى حظيرة الطاعة للحكومات الغربية في عهد الحرب الباردة، وما حصل بعد الثورة من مد يساري استفز الغرب والدول المحيطة بالعراق.

فتوى الحكيم كانت سببا للحملة على الزعيم الراحل

وعن طريق قانون الأحوال الشخصية استطاع أعداء الثورة كسب المرجع الشيعي السيد محسن الحكيم إلى جانبهم، فأصدر فتوى (الشيوعية كفر وإلحاد)، وأقر قتل الشيوعيين ما لم يعلنوا التوبة باعتبارهم مرتدين عن الإسلام، علماً بأن نحو 85% من الشيوعيين كانوا من الشيعة. وكان المستهدف من هذه الفتوى هو الزعيم عبدالكريم قاسم ونظامه. والجدير بالذكر أن مطالبة المرجعيات الشيعية بإصدار فتاوى بتكفير الشيوعية طرحت في العهد الملكي فرفضت هذه المرجعيات واعتبرت إصدار هكذا فتاوى يخدم أعداء الشعب العراقي.

استغلت القوى الرجعية والخارجية فتوى السيد الحكيم، وكان ما كان من انقلاب 8 شباط وقتل عشرات الألوف من الوطنيين، وإدخال العراق في نفق مظلم لم يخرج منه حتى الآن. والطلب الوحيد الذي تقدم به السيد محسن الحكيم لحكومة الإنقلابيين "عروس الثورات" هو إلغاء قانون الأحوال الشخصية. في البداية تم تعديل القانون بإلغاء مساواة المرأة في الإرث، وأعادوا حق تعدد الزوجات إلى أربع. ولكن خلال حكم البعث الثاني بعد 1968، أعاد البعثيون الحياة إلى هذا القانون ولم يستطع السيد الحكيم الاعتراض.

والمفارقة أن الزعيم كان يكن كل الاحترام للسيد محسن الحكيم حيث زاره عندما كان راقداً في المستشفى في الأيام الأولى من الثورة، وكما أخبرني أبناء المرحوم حامد قاسم (شقيق الزعيم) أنه ترك وصية لدى أخته أنه إذا ما قتل أو مات ليصليِّ على جثمانه السيد الحكيم.

هل يريد آل الحكيم الانتقام من تاريخ الزعيم؟

والإجحاف الذي قوبل به الزعيم لم يتوقف على أبناء السيد الحكيم، بل وتعداه إلى غيره. إذ ذكر الشيخ محمد الآلوسي في كتاب له نشر على حلقات في صحيفة الزمان اللندنية عام 2001، أشار إلى زيارة قام بها الشهيد الشيخ عبد العزيز البدري إلى الزعيم عبد الكريم قاسم في مكتبه في وزارة الدفاع، وأن الزعيم استقبله بحفاوة بالغة، وعند توديعه أوصله إلى بوابة الوزارة. ولكن بدلاً من أن يثني الشيخ الآلوسي على حسن استقبال الزعيم للشيخ البدري، نراه بالعكس فسر هذا التقدير من رئيس الدولة ضعفاً وجبناً، وأن الشيخ البدري قد تحدى الزعيم...إلى آخره من الإدعاءات الفارغة.

الغريب، أن البعثيين بعد اغتصابهم السلطة للمرة الثانية عام 1968 قتلوا نحو 64 شخصاً من أسرة الحكيم، واتهموا نجله السيد مهدي الحكيم بالعمالة لأمريكا، ولاحقوه إلى السودان واغتالوه هناك.

ولذلك فإني أؤمن إيماناً عميقاً بمقولة (كما تكونوا يولى عليكم). فحاكم مسالم عادل متواضع مثل عبد الكريم قاسم الذي بذل قصارى جهوده لنشر روح التسامح في المجتمع العراقي، لم يصلح لحكم العراق، بينما استطاع صدام الجائر، جرذ العوجة أن يحكمهم 35 سنة بالقبضة الحديدية وينشر فيه المقابر الجماعية، ولولا أمريكا لبقي في الحكم، ومن بعده أبناءه وأحفاده وأحفاد أحفاده إلى أجل غير معلوم.

وبعد سقوط حكم البعث يوم 9 نيسان 2003 الأغر، أول عمل قام به السيد عبد العزيز الحكيم عندما ترأس مجلس الحكم هو إصدار القرار 137 السيئ الصيت الذي ألغى بموجبه قانون الأحوال الشخصية، انتقاماً من الزعيم عبد الكريم قاسم، واستهانة بحقوق المرأة، مما أثار سخطاً شعبياً واسعاً، الأمر الذي دفع الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، مشكوراً، إلى إلغاء القرار.

يبدو أن آل الحكيم لم يهدأ لهم بال ولا يستقر لهم قرار إلا بالانتقام من الزعيم عبد الكريم قاسم كلما واتتهم الفرصة، لذلك أعتقد جازماً أن السيد عمار الحكيم هو وراء إصدار القرار القره قوشي اللا قانوني الأخير، الذي استثنوا فيه الزعيم عبد الكريم قاسم دون غيره من قائمة الشهداء، بأن لم يقتله الجناة البعثيون بل اعتباره متوفياً (يعني إنتل بالكهرباء!).

"رب ضارة نافعة"

على أي حال، كان هذا القرار أشبه بمن يبصق نحو السماء ويمسح وجهه، و"رب ضارة نافعة"، إذ كشف هؤلاء عن معدنهم الرديء، ورُدَّت سهامهم إلى نحورهم.

وشكراً لدولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي على استجابته السريعة لنداء محبي الزعيم، فأمر بإلغاء القرار، معلقاً: "من الحق والإنصاف اعتبار عبدالكريم قاسم شهيداً على يد البعث حتى لو اقتضى عمل تشريعي".

وكان رد فعل الجماهير قوياً، إذ أفادت الأنباء عن استنكار الجماهير في العراق ضد هذا القرار، كما وخرجت مظاهرات في شارع المتنبي في بغداد استنكاراً للقرار الفج، كما وصرح العديد من الكتاب والسياسيين ضده. (راجع تقرير صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، 21/9/2013.) (3).

ونتيجة لرد الفعل الشعبي الساخط على القرار، سارع أعضاء ما يسمى بمؤسسة الشهداء، بطرح التعديل الثاني لقانونها وإلغاء إجرائها المجحف. وقال نائب رئيس مؤسسة الشهداء كاظم عويد في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "الغاء قرار احتساب الزعيم عبد الكريم قاسم شهيدا جاء بفتوى من مجلس شورى الدولة".عجبي، هل هذا مجلس شورى أم مجلس شر؟(4). لا أدري في أي عالم يعيش هؤلاء، وهل هم بتماس مع الجماهير ليعرفوا مشاعرهم ومواقفهم من أشرف زعيم حكم العراق؟