1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

إني اتهمكم بالقتل على الهوية:الوطني العراقي بريء منكم

١٩ سبتمبر ٢٠١٣

يطلق السياسي العراقي والشخصية الثقافية الناشطة في بغداد فخري كريم صرخة احتجاجية ضد العنف الطائفي الذي عاد ليسود العراق مجددا، بعد أن تراجع لفترة وجيزة.

https://p.dw.com/p/19kd6
صورة من: picture alliance/dpa

كنت أريد أن اكتب اليوم عن القضاء العراقي، جسده "المثخن بالتشوهات"، ودوره "المُغيَّب"، و"اغتصاب استقلاله"، و"تعطيل واجبه الأساس" في معافاة العراق الجريح. لكنني فُجعت بنحيب يقطع نياط القلب من ضحايا التهجير الإجرامي القسري، والقتل على الهوية، الذي تحول إلى نهج رسمي، تدور شبهات عن تواطؤات حكومية في هذه الجريمة التي ترتقي، إن لم تُوقف على الفور بكل الوسائل وبمنتهى الحزم، إلى مستوى جرائم "الجينوسايد" التي تقع تحت طائلة القانون الدولي، ومن مسؤولية.

المحكمة الجنائية الدولية

وكما تُظهر الوقائع الدامغة، ومسلسل التهجير والقتل في البصرة وأطراف بغداد ومناطق أخرى، فان ما يجري، ليس بمعزل عن مخطط يهدف إلى إعادة ترتيب محافظات ومدن على أساس طائفي مقيت، وبمعنى آخر، أنها نفس فعلة صدام حسين التي أقدم عليها، في نزوعٍ فاشي لا سابق له في تاريخ الدولة العراقية، لتغيير التركيب السكاني لمحافظات عراقية، على أساس قومي في إطار عمليات "التعريب"، وعلى أساس طائفي "في إطار التبعيث".

وهذه المرة، خلافاً للمرات السابقة، تتحمل كل الأطراف، دون استثناء، وكل الزعامات دون مُراءاة أو محاباة، مسؤولية الجريمة المرتكبة. وهي مسؤولية تتحملها القيادات الشيعية قبل السنية، ورئيس مجلس الوزراء وحزبه ودولة القانون بالدرجة الأولى، وبشبهة المشاركة، أو التخطيط الخفي، أو غض النظر.

إن ما يجري من استباحات جماعية، يتعرض لها أبناء عراقيون مخلصون، وأسر وعشائر، يرتبط تاريخها عضوياً بتاريخ العراق قبل نشوء الدولة الحديثة، وقبل تكوين الدويلات العثمانية، ولها دالة، أن بقيت حرمة لدالة عراقية، على حياكة النسيج الوطني. وان عدنا للأعوام المائة الأخيرة، لوجدنا أن أسلاف هؤلاء الذين يتعرضون للتصفية الجسدية البربرية، وللتهجير تحت التهديد بالقتل، وبمصادرة الممتلكات، لعبوا أدواراً تأسيسية في بناء الأطر السياسية للعراق، عبر المشاركة في الثورات والانتفاضات والوثبات، واحتلوا مواقع مقررة في الكيانات الحزبية، للحركة الوطنية، قومية واشتراكية وليبرالية، وكانوا بين المؤسسين لبعضها، يوم لم يكن وباء الطائفية والإسلام السياسي، قد ذر قرنه، في الجسد العراقي.

وفي لحظة غفلة من الناس، تحت التخدير واللوثة الطائفية التي يتاجر ببضاعتها المتهرئة، أمراء الطوائف من الضفتين، تجري عملية غسل دماغ، بأدوات مشبوهة المنشأ، مدفوعة بأغراض لا علاقة لها بالمصالح، الوطنية، ولا يجمعها جامعٌ، بالدعوات المتهالكة لعقد لقاءات ومؤتمرات للتوقيع على "ميثاق شرف" يكفي لفضح طابعها ومراميها، هذا الصمت المريب، الذي يكاد يقول "خذوني". وهو صمت لا كصمت أهل القبور، بل مثل صمم الراقصين في حفلة تيسٍ، على حلبة وأنغام ديسكو المافيا.

تهجير السنة من أحيائهم ومدنهم وقراهم، لن يبرره، لشيوخ المافيات الطائفية المعروفة مسمياتها وقادتها ومصادر تسليحها، ما يتعرض له الشيعة في أماكن عيشهم، ولا يمكن اعتباره انتقاماً لهم من وحشية القائمين على ذلك. ففي الضفتين، ميلشيا تريد تمزيق الجسد الوطني، والتمهيد لذبح العراق على "الطريقة الإسلامية".

ولا يمكن لعراقي، يُمّيزه ما تغلغل في وجدانه من قيم إنسانية أصيلة، وعهود وفاء وتشارك وتصاهر وتضحيات، أن يرى في تنظيم القاعدة، تعبيراً وهوية للسنة العراقيين، أو تجلياً لفكرهم ونوازعهم الدينية، والجرائم التي يرتكبها، هي تجسيد لأغراضه الدفينة، التي يستقتل لتحقيقها، بأي ثمن على حساب أرواح العراقيين السنة والشيعة، والذي يتمثل بوضوح، في سلخ "ولاية تكفيرية" يكون وقودها أبناء الطائفة السنية كي ينفردوا بها، ويحولوها إلى منصة انطلاق وتجسيرٍ للعودة بالعراقيين، وجوارهم، إلى حومة التكفير في عهد جاهلية جديد.

كما أن من يقتل السنة ويشردهم ويهجرهم، ويدفعهم إلى بيئة هؤلاء التكفيريين، هو شريك أصيل في الجريمة، ومتورط في وضع رقاب الشيعة في وقت لاحق، في مسالخ التكفير.

وقد يكون سابقا للأوان، دون خبر مسند، القول بأن الحكومة في كل الأحوال طرف في الجريمة التي لم يجر إيقافها، وتصحيح آثارها. فهي، سواء بسواء، أما شريكة بأدواتها السرية، في عمليات القتل والتهجير، أو ضامنة للميليشيات الفاعلة، بالتسليح آو التمويل، أو أنها متواطئة عن قصد وهدف معلوم. أما براءتها، فهي ضربٌ من خيلاء إخوة يوسف وعزتهم بالإثم التي أصبحت قصصاً على كل لسان.

السؤال: هل تريدون التمهيد، لعراقٍ شيعي، وحيد القرن!

قولوها، وكفوا عن استباحة دم العراقيين، وخذوا لعراقكم ذاك، ما لم يكف الوقت للسطو عليه.

في كل الأحوال.. شيعة العراق لن يستجيبوا في نهاية المطاف لمراوداتكم، لأنهم اكتشفوكم، في وضح النهار، وفي أفضل أوضاعكم، مجرد لصوص وفاسدين، وآكلي لحم الميتة!

فخري كريم

نقلا عن صحيفة المدى العراقية